سمعه وحده، أو ليتمّ إقراره أربعًا عند من يشترطه، وأما سؤاله قومه عنه بعد ذلك، فمبالغة في الاستثبات. وتَعَقّب بعض الشرّاح قوله:"أو لأنه سمعه وحده" بأنه كلام ساقط، لأنه وقع في نفس الخبر أن ذلك كان بمحضر الصحابة في المسجد.
قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: وُيردّ بوجه آخر، وهو أن انفراده - صلى اللَّه عليه وسلم - بسماع إقرار المقرّ كاف في الحكم عليه بعلمه اتفاقًا، إذ لا ينطق عن الهوى، بخلاف غيره، ففيه احتمال انتهى (١). (قَالَ: أَحْصَنْتَ؟) أي تزوّجت، هذا معناه هنا جزما، لافتراق الحكم في حدّ من تزوّج، ومن لم يتزوّج.
[تنبيهات]:
الأول: المحصَن بفتح الصاد المهملة، من الإحصان، ويأتي بمعنى العفّة، والتزويج، والإسلام، والحريّة، لأن كلّا منها يمنع المكلّف من عمل الفاحشة، قال ابن القطاع: رجل مُحصِنٌ -بكسر الصاد- على القياس، وبفتحها على غير القياس.
قال الحافظ: ويمكن تخريجه على القياس، وهو أن المراد هنا من له زوجة عقد عليها، ودخل بها، وأصابها، فكان الذي زوّجها له، أو حمله على التزويج بها، ولو كانت نفسَهُ أحصنه، أي جعله في حصن من العفّة، أو مَنَعَه من عمل الفاحشة.
وقال الراغب: يقال للمتزوّجة مُحصَنة، أي أن زوجها أحصنها، ويقال: امرأة مُحصِنٌ بالكسر، إذا تصوّر حصنها من نفسها، وبالفتح إذا تصوّر حصنها من غيرها انتهى.
الثاني: قال ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: أجمعوا على أنه لا يكون الإحصان بالنكاح الفاسد، ولا الشبهة، وخالفهم أبو ثور، فقال: يكون محصنًا، واحتجّ بأن النكاح الفاسد يُعطى أحكام الصحيح في تقرير المهر، ووجوب العدّة، ولحوق الولد، وتحريم الربيبة. وأجيب بعموم "ادرؤوا الحدود".
قال: وأجمعوا على أنه لا يكون بمجرّد العقد محصنًا، واختلفوا إذا دخل بها، وادعى أنه لم يصبها، قال: حتى تقوم البيّنة، أو يوجد منه إقرار، أو يعلم له منها ولد، وعن بعض المالكيّة إذا زنى أحد الزوجين، واختلفا في الوطء لم يصدّق الزاني، ولو لم يمض لهما إلا ليلة، وأما قبل الزنا فلا يكون محصنًا، ولو أقام معها ما أقام.
واختلفوا إذا تزوّج الحرّ أمة، هل تحصنه؟ فقال الأكثر: نعم، وعن عطاء، والحسن، وقتادة، والثوريّ، والكوفيين، وأحمد، وإسحاق: لا. واختلفوا إذا تزوّج كتابيّة، فقال إبراهيم، وطاوس، والشعبيّ: لا تحصنه، وعن الحسن لا تحصنه حتى يطأها في