للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قصته معهما في "الموطإ"، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب، مرسلةً، ووصله أبو داود وغيره من رواية يزيد بن نُعيم بن هَزّال، عن أبيه، وفي القصّة أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قال لِهَزّال: "لو سترته بثوبك لكان خيرًا لك"، وفي "الموطإ"، عن يحيى بن سعيد: ذكرت هذا الحديث في مجلس، فيه يزيد بن نُعيم، فقال: هزّال جدّي، وهذا الحديث حقّ.

قال الباجيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: المعنى خيرًا لك مما أمرته به من إظهار أمره، وكان ستره بأن يأمره بالتوبة والكتمان، كما أمره أبو بكر وعمر، وذكر الثوب مبالغة، أي لو لم تجد السبيل إلى ستره إلا بردائك ممن علم أمره (١) كان أفضل مما أشرت به عليه من الإظهار.

وباستحباب الستر جزم الشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، فقال: أُحِبّ لمن أصاب ذنبًا، فستره اللَّه عليه، أن يستر على نفسه ويتوب، واحتجّ بقصّة ماعز مع أبي بكر وعمر - رضي اللَّه عنهم -.

وقال ابن العربيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا كلّه في غير المجاهر، فاما إذا كان متظاهرًا بالفاحشة، مجاهرًا، فإني أحبّ مكاشفته به، لينزجر هو وغيره.

وقد استُشكِل استحباب الستر مع ما وقع من الثناء على ماعز، والغامديّة.

وأجاب الحافظ العراقيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- في "شرح الترمذيّ" بأن الغامديّة كان ظهر بها الحَبَلُ، مع كونها غير ذات زوج، فتعذّر الاستتار، للاطلاع على ما يُشعر بالفاحشة، ومن ثَمّ قيّد بعضهم ترجيح الاستتار حيث لا يكون هناك ما يشعر بضدّه، وإن وُجد فالرفع إلى الإمام ليقيم عليه الحدّ أفضل انتهى.

قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: والذي يظهر أن الستر مستحبّ، والرفع لقصد المبالغة في التطهير أحبّ، والعلم عند اللَّه تعالى.

ومنها: التثبّت في إزهاق نفس المسلم، والمبالغة في صيانته لما وقع في هذه القصّة من ترديده، والإيماء إليه بالرجوع، والإشارة إلى قبول دعواه، إن ادّعى إكراهًا، أو نحو ذلك.

ومنها: مشروعيّة الإقرار بفعل الفاحشة عند الإمام، وفي المسجد، والتصريح فيه بما يُستحيى من التلفّظ به، من أنواع الرفَثِ في القول، من أجل الحاجة الملجئة لذلك.

ومنها: نداء الكبير بالصوت العالي. ومنها: إعراض الإمام عمن أقرّ بأمر محتمل


(١) - هكذا عبارة "الفتح" "ممن علم أمره"، ولعل الصواب "ممن لا يعلم أمره". فتأمل.