لإقامة الحدّ، لاحتمال أن يفسّره بما لا يوجب حدًّا، أو يرجع، واستفساره عن شروط ذلك ليُرتّب عليه مقتضاه. ومنها: أن إقرار المجنون لاغ. ومنها: استحباب التعريض للمقرّ بأن يرجع، وأنه إذا رجع قُبل. قال ابن العربيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وجاء عن مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ- رواية أنه لا أثر لرجوعه، وحديث النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - أحقّ أن يُتّبع.
ومنها: أنه استُدلّ به على اشتراط الإقرار بالزنا أربعًا لظاهر قوله: "فلما شهد على نفسه أربع شهادات"، فإن فيه إشعارًا بأن العدد هو العلّة في تأخير إقامة الحدّ عليه، وإلا لأمر برجمه في أول أمره، ولأن في حديث ابن عبّاس:"قال لماعز: قد شهدت على نفسك أربع شهادات، اذهبوا به، فارجموه"، ويؤيّده القياس على عدد شهود الزنا دون غيره، وهو قول الكوفيين، والراجح عند الحنابلة، وزاد ابن أبي ليلى، فاشترط أن تتعدّد مجالس الإقرار، وهي رواية عن أبي حنيفة، وتمسّكوا بصورة الواقعة، لكن الروايات فيها اختلفت.
قال الحافظ: والذي يظهر أن المجالس تعددت، لكن لا بعدد الإقرار، فأكثرُ ما نقل في ذلك أنه أقرّ مرتين، ثم عاد من الغد، فأقرّ مرّتين، كما تقدّم بيانه. وتأول الجمهور بأن ذلك وقع في قصّة ماعز، وهي واقعة حال، فجاز أن يكون لزيادة الاستثبات. ويؤيّد هذا الجواب ما تقدّم في سياق حديث أبي هريرة، وما وقع عند مسلم في قصّة الغامديّة، حيث قالت لما جاءت:"طهرني، فقال: ويحك ارجعي، فاستغفري، قالت: أراك تريد أن تردّني كما رددت ماعزّا، إنها حبلى من الزنا"، فلم يؤخّر إقامة الحدّ عليها إلا لكونها حبلى، فلما وضعت أمر برجمها، ولم يستفسرها مرّة أخرى، ولا اعتبر تكرير إقرارها، ولا تعدد المجالس، وكذا وقع في قصّة العَسِيف حيث قال:"واغدُ يا أُنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت، فارجمها، وفيه: "فغدا عليها، فاعترفت، فرجمها"، ولم يذكر تعدد الاعتراف، ولا المجالس. وأجابوا عن القياس المذكور بأن القتل لا يُقبل فيه إلا شاهدان، بخلاف سائر الأموال، فيقبل فيها شاهد وامرأتان، فكان قياس ذلك أن يُشترط الإقرار بالقتل مرّتين، وقد اتفقوا أنه يكفي فيه مرّة.
ومنها: أن الإمام لا يشترط أن يبدأ بالرجم فيمن أقرّ، وإن كان ذلك مستحبّا، لأن الإمام إذا بدأ مع كونه مأمورًا بالتثبّت، والاحتياط فيه، كان ذلك أدعى إلى الزجر عن التساهل في الحكم، وإلى الحضّ على التثبّت في الحكم، ولهذا يبدأ الشهود إذا ثبت الرجم بالبيّنة.
ومنها: جواز تفويض الإمام إقامة الحدّ لغيره. ومنها: أنه لا يشترط الحفر للمرجوم، لأنه لم يُذكر في حديث الباب، بل وقع التصريح في حديث أبي سعيد عند مسلم،