للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث

(عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) - رضي اللَّه تعالى عنهما - (أَنَّ امْرَأَةَ مِنْ جُهَيْنَةَ) وفي رواية لمسلم: "جاءت امرأة من غامد، من الأزد"، قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: كذا في هذه الرواية، وفي الرواية الأخرى: "من جُهينة"، ولا تباعد بين الروايتين، فإن غامدًا قبيلة من جهينة، قاله عياض، وأظنّ جهينة من الأزد، وبهذا تتفق الروايات انتهى. وكتب في هامش "المفهم": ما نصّه: جاء في حاشية (م ا): اسم الغامديّة سُبيعة، وقيل: أمية بنت فرح انتهى (١).

(أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فَقَالَتْ: إِنَّي زَنَيْتُ) وفي رواية مسلم: فقالت: يا رسول اللَّه طهّرني، فقال: "ويحك ارجعي، فاستغفر اللَّه، وتوبي إليه، فقالت: أراك تريد أن تردّني كما رددت ماعز بن مالك، قال: "وما ذاكِ؟ قالت: إنها حبلى من الزنا، فقال: "آنت؟ "، قالت نعم، فقال لها: "حتى تضعي ما في بطنك … "

(وَهِيَ حُبْلَى) قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قولها هذا اعتراف منها من غير تكرار يُطلب منها، ففيه دليل على عدم اشتراطه على ما مرّ، وكونه - صلى اللَّه عليه وسلم - لم يستفصلها كما استفصل ماعزًا، لأنها لم يظهر عليها ما يوجب ارتيابًا في قولها، ولا شكّا في حالها، بخلاف حال ماعز، فإنه ظهر عليه ما يشبه الجنون، فلذلك استفصله النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، ليستثبت أمره، كما تقدّم. انتهى.

(فَدَفَعَهَا إِلَى وَلِيِّهَا) ولمسلم: "فدعا نبي اللَّه وليّها" (فَقَالَ أَحْسِنْ إِلَيْهَا) قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: هذا الإحسان له سببان: أحدهما: الخوف عليها من أقاربها أن تحملهم الغيرة، ولحوق العار بهم أن يؤذوها، فأوصى بالإحسان إليها، تحذيرًا لهم من ذلك. والثاني: أمر به رحمة لها، إذ قد تابت، وحرص على الإحسان إليها، لما في نفوس الناس من النفرة من مثلها، وإسماعها الكلام المؤذي، ونحو ذلك، فنهَى عن هذا كلّه. انتهى (٢).

(فَإِذَا وَضَعَتْ) أي ولدت حملها (فَأْتِنِي بهِا) وفي لفظ لمسلم: "إما لا، فاذهبي حتى تلدي". قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: "إما" بكسر الهمزة التي هي همزة، "إن" الشرطيّة، زيدت عليها "ما" المؤكّدة، بدليل دخول الفاء في جوابها، و"لا" التي بعدها للنفي، فكأنه قال: إن رأيت أن تستري على نفسك، وترجعي عن إقرارك، فافعلي، وإن لم تفعلي، فاذهبي حتى تلدي.

ثم اختلف العلماء فيها إذا وضعت، فقال مالك: إذا وضعت رُجمت، ولم يُنتظر بها


(١) - راجع "المفهم" ج ٥ ص ٩٦ "كتاب الحدود": "باب إقامة الحدّ على من اعترف".
(٢) - "شرح مسلم" ج ١١ ص ٢٠٣. "كتاب الحدود".