إلى أن تفطم ولدها، وقاله أبو حنيفة، والشافعيّ في أحد قوليه، وهذا قول من لم تبلغه هذه الرواية التي فيها تأخير الغامديّة إلى أن فطمت ولدها. وقد روي عن مالك: أنها لا تُرجم حتى تجد من يكفل ولدها بعد الرضاع، وهو مشهور قول مالك، والشافعيّ، وقول أحمد، وإسحاق.
وقد اختلفت الروايات في رجمها متى كان؟، هل كان قبل فطام الولد، أو بعد فطامه، والأَوْلَى رواية من روى أنها لم تُرجم حتى فطمت ولدها، ووجدت من يكفله، لأنها مثبتة حكما زائدًا على الرواية الأخرى التي ليس فيها ذلك، ولمراعاة حقّ الولد، وإذا روعي حقّه، وهو جنين، فلا تُرجم لأجله بالإجماع، فمراعاته إذا خرج للوجود أولى انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- تعالى.
(فَلَمَّا وَضَعَتْ جَاءَ بِهَا) أي أتى بها ذلك الوليّ إلى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -.
وفي رواية لمسلم:"فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت، قال: فأتى النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقال: قد وضعت الغامديّة، فقال: إذّا لا نرجمها، وندَعَ ولدها صغيرًا، ليس له من يُرضعه، فقام رجل من الأنصار، فقال: إليّ رضاعه، يا نبيّ اللَّه، قال: فرَجَمَها".
وفي رواية:"فلما ولدت أتته بالصبيّ في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال: فاذهبي، فأرضعيه حتى تَفطميه، فلما فَطَمته أتته بالصبيّ، في يده كسرة خبز، فقالت: يا نبيّ اللَّه، قد فَطَمته، وقد أكل العام، فدَفَع الصبيّ إلى رجل من المسلمين … ".
قال النووي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فهاتان الروايتان ظاهرهما الاختلاف، فإن الثانية صريحة في أن رجمها كان بعد فطامه، وأكله الخبز، والأولى ظاهرها أنه رجمها عقب الولادة. ويجب تأويل الأولى، وحملها على وفق الثانية، لأنها قضيّة واحدة، والروايتان صحيحتان، والثانية منهما صريحة، لا يمكن تأويلها، والأولى ليست صريحةً، فيتعيّن تأويل الأولى، ويكون قوله في الرواية الأولى:"قام رجل من الأنصار، فقال: إليّ رضاعُهُ"، إنما قاله بعد الفطام، وأراد بالرضاعة كفالته، وتربيته، وسماه رضاعًا مجازًا. انتهى (١).
(فَأَمَرَ بِهَا) أي أمر النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بشكّ ثياب تلك المرأة عليها (فَشُكَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا) قال النوويّ في شرح مسلم: هكذا هو في معظم النسخ، "فشُكَّت"، وفي بعضها:"فشُدَّت" بالدال بدل الكاف، وهو معنى الأول انتهى. ثم يحتمل أن يكون الفعل بالبناء للفاعل، والفاعل ضمير المرأة، و"ثيابها" بالنصب على المفعولية، ويحتمل أن يكون بالبناء للمفعول، و"ثيابها مرفوع على أنه نائب الفاعل (ثُمَّ رَجَمَهَا) أي أمر برجمها، ففيه إسناد
(١) - "شرح مسلم" ج ١٢ ص ٢٠١ "كتاب الحدود" رقم ٤٤٠٦ - ٤٤٠٧.