الفعل إلى السبب الآمر، ولفظ مسلم:"فأمر بها، فرُجمت"، وفي رواية لمسلم:"ثم أمر بها، فحُفر لها إلى صدرها، وأمر الناس، فرجموها، فيُقبِلُ خالد بن الوليد بحجر، فرمى رأسها، فتَنَضَّح الدمُ على وجه خالد، فسبّها، فسمع نبيّ اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - سبّه إياها، فقال: مَهْلًا يا خالد، فوالذي نفسي بيده، لقد تابت توبةً، لو تابها صاحب مكس لغُفر له"(ثُمَّ صَلّى، عَلَيهَا) أي صلى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - على تلك المرأة المرجومة، وهذا محلّ الترجمة حيث إنه يدلّ على مشروعية الصلاة على المرجوم.
قال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ- عند قوله:"ثم أمر بها، فصلّى عليها": هي بفتح الصاد، واللام عند جماهير رواة "صحيح مسلم"، قال: وعند الطبريّ بضم الصاد، قال: وكذا هو في رواية ابن أبي شيبة، وأبي داود، قال: وفي رواية لأبي داود: "ثم أمرهم أن يصلّوا عليها".
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: معنى هذه الرواية: أمرهم أن يصلوا عليها معه، فلا تنافي رواية "ثم صلَّى عليها". واللَّه تعالى أعلم.
وقال النووي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وقد اختلف العلماء في الصلاة على المرجوم، فكرهها مالك، وأحمد للإمام، ولأهل الفضل، دون باقي الناس، ويصلي عليه غير الإمام، وأهل الفضل، وقال الشافعيّ وآخرون: يصلي عليه الإمام، وأهل الفضل وغيرهم، والخلاف بين الشافعيّ، ومالك إنما هو في الإمام، وأهل الفضل، وأما غيرهم فاتفقا على أنه يصلي، وبه قال جماهير العلماء، قالوا: فَيُصَلَّى على الفُسّاق، والمقتولين في الحدود، والمحاربة، وغيرهم. وقال الزهريّ: لا يُصلّي أحد على المرجوم، وقاتل نفسه. وقال قتادة: لا يصلى على ولد الزنا.
واحتجّ الجمهور بهذا الحديث، وفيه دلالة للشافعيّ أن الإمام، وأهل الفضل يصلون على المرجوم كما يصلي عليه غيرهم، وأجاب أصحاب مالك عنه بجوابين:
أحدهما: أنهم ضعفوا رواية الصلاة، لكون أكثر الرواة لم يذكروها.
والثاني: تأولوها على أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أمر بالصلاة، أو دعا، فسمي صلاةً على مقتضاها في اللغة. وهذان الجوابان فاسدان:
أما الأول: فإن هذه الزيادة ثابتة في "الصحيح"، وزيادة الثقة مقبولة. وأما الثاني: فهذا التأويل مردود، لأن التاويل إنما يُصار إليه إذا اضطرت الأدلّة الشرعية إلى ارتكابه، وليس هنا شيء من ذلك، فوجب حمله على ظاهره، واللَّه أعلم انتهى كلام النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- (١) وقد تقدّم زيادة تحقيق لبيان اختلاف أهل العلم في حكم الصلاة على المرجوم ونحوه في الباب الماضي مُستوفًى، فراجعه تستفد، وباللَّه تعالى التوفيق.
(١) - "شرح مسلم" ج ١١ ص ٢٠٣ "كتاب الحدود" رقم الحديث ٤٤٠٨.