للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لطائف هذا الإسناد:

(منها): أنه من خماسيات المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-. (ومنها): أن رجاله كلهم رجال الصحيح. ومنها: أن فيه واسطيين: هشيمٌ ومنصور، وبصريين: الحسن وعمران، وشيخه مروزي. واللَّه تعالى أعلم.

شرح الحديث

(عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) - رضي اللَّه تعالى عنهما - (أَنَّ رَجُلاً) لم أر من سمّاه، وفي رواية لمسلم: "أن رجلاً من الأنصار أوصى عند موته، فأعتق ستة مملوكين … " (أَعْتَقَ سِتَّةً مَمْلُوكِينَ لَهُ) وفي رواية أبي داود: "ستة أعبُد له … " (عِنْدَ مَوْتِهِ) قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ظاهره أنه نجّز عتقهم في مرض موته، وفي الرواية الأخرى: أنه أوصى بعتقهم، وهذا اضطرابٌ لأن القضيّة واحدةٌ، ويرتفع ذلك بأن بعض الرواة تجوّز في لفظ "أوصى" لما نُفِّذ عتقهم بعد موت سيّدهم في ثلثه، لأنه قد تساوى في هذه الصورة حكم تنجيز العتق، وحكم الوصيّة به؛ إذ كلاهما يُخرَج من الثلث، وإنما كان يظهر الفرق بينهما لو لم يمت، فإنه كان يكون له الرجوع عن الوصيّة بالعتق، دون تنجيز العتق، فإنه إذا صحّ لزمه، إما عتق جميعهم، وإما عتق ثلثهم، إذ ليس له مال غيرهم على الخلاف الذي في ذلك لأهل العلم انتهى (١).

(وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ) بالرفع صفة لـ "مال" (فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فَغَضِبَ مِنْ ذَلِكَ) أي من أجل عتق كل عبيده، لأنه أخرج كلّ ماله عن الورثة، ومنعهم حقوقهم منه، ففيه دليل على أن المريض محجور عليه في ماله، وأن الْمُدَبَّرَ، والوَصَايَا إنما تخرج من الثلث، وأن الوصيّة إذا مَنَعَ من تنفيذها على وجهها مانعٌ شرعيّ استحالت إلى الثلث، كما يقول مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ-، قاله القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-.

(وَقَالَ: "لَقَدْ هَمَمْتُ) أي قصدتُ، قال في "المصباح": هَمَمتُ بالشيء، هَمًّا، من باب قتل: إذا اردته، ولم تفعله، وفي الحديث: "لقد هَمَمتُ أن أنَهى عن الْغِيلَة … " أي عن إتيان المرضع انتهى (أَنْ لَا أُصَلَّيَ عَلَيْهِ) وفي رواية لأبي داود: "لو شَهِدته قبل أن يُدفن، لم يُدفن في مقابر المسلمين".

وهذا محلّ الترجمة، حيث إن همه - صلى اللَّه عليه وسلم - على ترك الصلاة عليه يدلّ على أن ترك الصلاة على من حاف في الوصيّة مشروعة، زجرًا لأمثاله لئلا يرتكبوا مثل فعله.

قال النووي -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: وهذا محمول على أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - وحده كان يترك


(١) - "المفهم" ج ٤ ص ٣٥٦ "كتاب العتق"، "باب فيمن أعتق عبيده عند موته".