للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الثلث انتهى (١) (وَأَرَقَّ أَرْبَعَةَ) أي أبقى الأربعة الباقين في رقّهم، وهم الذين لم تُصبهم القُرعة.

قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: وفي هذا الحديث دلالة لمذهب مالك، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وداود، وابن جرير، والجمهور في إثبات القرعة في العتق، ونحوه، وأنه إذا أعتق عبيدًا في مرض موته، أو أوصى بعتقهم، ولا يخرجون من الثلث أقرع بينهم، فيعتق ثلثهم بالقرعة. وقال أبو حنيفة: القرعة باطلة، لا مدخل لها في ذلك، بل يعتق من كلّ واحد قسطه، ويُستسعى في الباقي، لأنها خطر. وهذا مردود بهذا الحديث الصحيح، وأحاديث كثيرة.

وقوله: "فأعتق اثنين، وأرقّ أربعة"، صريح في الرّدّ على أبي حنيفة، وقد قال بقول أبي حنيفة الشعبيّ، والنخعيّ، وشُريحٌ، والحسن، وحكي أيضًا عن ابن المسيّب انتهى (٢).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: هذا نصّ في صحّة اعتبار القرعة شرعًا، وهو حجة للجمهور: مالك، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق على أبي حنيفة حيث يقول: إنه يَعتِق من كلّ واحد منهم ثلثه، ولا يُقرع بينهم، وهذا مخالف لنصّ الحديث، ولا حجّة له بأن يقول: إن هذا الحديث مخالف للقياس، فلا يُعمل به، لأنا قد أوضحنا في الأصول: أن القياس في مقابلة النصّ فاسد الوضع، ولو سلّمنا أنه ليس بفاسد الوضع لكانا كالدليلين المتعارضين، وحينئذ يكون الأخذ بالحديث أولى، لكثرة الاحتمالات في القياس، وقلّتها في الحديث، كما بيّنّاه في الأصول انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- من فساد وضع القياس عند معارضته للحديث الصحيح هو الحقّ الحقيق بالقبول، وما عداه باطل مردود مخذول.

وقال الحافظ أبو عمر ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: ردّ الكوفيّون السنّة المأثورة في هذا الباب إما بأن لم يبلغهم، أو بأن لم تصحّ عنهم، ومن أصل أبي حنيفة، وأصحابه عرض أخبار الآحاد على الأصول المجتمع عليها، أو المشهورة المنتشرة، والحجة قائمة على من ذهب مذهبهم بالحديث الصحيح الجامع في هذا الباب، وليس الجهل بالسنّة، ولا الجهل بصحّتها علّة يصحّ لعاقل الاحتجاج بها، وقد أنكرها قبلهم شيخهم


(١) - "الاستذكار" ج ٢٣ ص ١٤٢ - ١٤٣. "كتاب العتق والولاء"، "باب من أعتق رقيقا لا يملك مالاً غيرهم".
(٢) - "شرح مسلم" ج ١١ ص ١٤٠ "كتاب العتق".