يترك وفاء، تحذيرًا من الدين، وزجرًا عن المماطلة، أو كراهة أن يوقَفَ دعاؤه عن الإجابة بسبب ما عليه، من مظلمة الخلق انتهى.
(قَالَ: أَبو قَتَادَةَ) الأنصاريّ - رضي اللَّه تعالى عنه - (هُوَ) أي الدين الذي على هذا الميت (عَلَيَّ) أي قضاؤه عليّ (قَالَ: النَّبِيُّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: بالوَفَاءِ؟) أي أتتكفّل بأدائه إلى صاحبه؟ (قَالَ) أبو قتادة (بِالْوَفَاءِ) أي أتكفّل بأدائه إليه (فَصَلَّى) النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - (عَلَيْهِ) أي على ذلك الميت الذي عليه ذلك الدين.
وفي رواية ابن ماجه:"فقال أبو قتادة: وأنا أتكفّل به"، زاد الحاكم في حديث جابر:"فقال: هما عليك، وفي مالِكَ، والميت منهما بريء؟ قال: نعم، فصلى عليه، فجعل رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - إذا لقي أبا قتادة يقول: ما صنَعَت الديناران؟ حتى كان آخر ذلك أن قال: قد قضيتهما يا رسول اللَّه، قال الآن برّدت عليه جلده".
وقد وقعت هذه القصّة مرّة أخرى، فروى الدارقطنيّ من حديث عليّ - رضي اللَّه عنه -، كان رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - إذا أُتي بجنازة لم يسأل عن شيء من عمل الرجل، ويسأل عن دينه، فإن قيل: عليه دين كَفَّ، وإن قيل: ليس عليه دين صلّى، فأُتي بجنازة، فلما قام ليكبّر سأل هل عليه دين؟، فقالوا: ديناران، فعدل عنه، فقال عليٌّ: هما عليَّ يا رسول اللَّه، وهو بريء منهما، فصلّى عليه، ثم قال لعليّ:"جزاك اللَّه خيرًا وفَكَّ اللَّه رِهانك"(١) واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
المسألة الأولى: في درجته: حديث أبي قتادة - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا صحيح.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -٦٧/ ١٩٦٠ وفي "البيوع" ١٠٢/ ٤٦٩٤ - وفي "الكبرى" ٦٧/ ٢٠٨٧ و"البيوع" ١٠٤/ ٦٢٩١. وأخرجه (ت) ٢٣٩٨ (أحمد) ٢١٥٠٣ و ٢١٥٢٨ و ٢١٦٠٥ و ٢٤٨٠ (الدارمي) ٢٤٨٠. واللَّه تعالى أعلم.
المسألة الثالثة: في فوائده:
منها: ما بوّب له المصنّف، -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، وهو مشروعية الصلاة على من عليه دين، وقد تقدّم البحث عنه مُستوفًى في -٦٤/ ١٩٥٧ - باب "الصلاة على المرجوم"، فراجعه تستفد. ومنها: تركه - صلى اللَّه عليه وسلم - الصلاة على من عليه دين، إذا لم يترك وفاءً، لئلا يتهاون الناس بحقوق المسلمين، وكان هذا في أول الإسلام، قبل أن يفتح اللَّه عليه
(١) - "فتح" ج ٥ ص ٢٣٢ - ٢٣٣ "كتاب الحوالة" رقم الحديث ٢٢٨٩.