(منها): أنه من سداسيات المصنف -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-. (ومنها): أن رجاله كلهم رجال الصحيح. (ومنها): أن نصفه الأول مصريون، والثاني مدنيّون. (ومنها): أن فيه رواية تابعي عن تابعي، وفيه أحد الفقهاء السبعة على بعض الأقوال، وهو أبو سلمة، وفيه أبو هريرة - رضي اللَّه عنه - رئيس المكثرين من رواية الأحاديث. واللَّه تعالى أعلم.
شرح الحديث
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) - رضي اللَّه عنه - (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، كَانَ إِذَا تُوُفِّيَ الْمُؤْمِنُ) وفي نسخة: "المسلم"، وفي رواية للبخاريّ:"أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - كان يؤتى بالرجل المتوفَّى، عليه الدين، فيسأل، هل ترك لدينه فضلًا؟ … "(وَعَلَيْهِ دَيْنٌ) جملة اسميّة، في محل نصب على الحال (سَأَلَ) وفي نسخة: "فيسأل"(هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ، مِنْ قَضَاءٍ؟)"من" زائدة، و"قضاء" مفعول "ترك"، أي هل ترك مالا يُقضى به دينه؟ وفي رواية للبخاريّ:"هل ترك لدينه فضلاً؟ "، أي قدرًا زائدًا على مؤنة تجهيزه. قال في "الفتح": والأول أولى، بدليل قوله:"فإن حُدّث أنه ترك لدينه وفاء … " (فَإِن قَالُوا: نَعَمْ، صَلَّى عَلَيْهِ، وِإنْ قَالُوا: لَا، قَالَ:"صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ"، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، عَلَى رَسُولِهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، قَالَ:"أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤمِنِينَ، مِنْ أَنْفُسِهِمْ) أي أنا أقرب لهم من أنفسهم، أو أنا أحقّ بهم منها، وقد وَجَّهَ ذَلك بقوله: "فمن توفي الخ"، وقد تقدّم تفسير هذه الجملة مُستوفًى في "كتاب العيد -باب كيف الخطبة؟ [٢٢/ ١٥٧٨] فراجعه تستفد (فَمَنْ تُوُفِّيَ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مَالاً، فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ") وفي رواية للبخاريّ: "فليرثه عصبته"، ولمسلم من طريق الأعرج، عن أبي هريرة: "والذي نفسي بيده إنْ على الأرض من مؤمن، إلا وأنا أولى الناس به، فايكم ما ترك دينا، أو ضَيَاعًا، فانا مولاه، وأيكم ترك مالاً، فإلى العصبة من كان". ومن طريق همام بن منبّه، عن أبي هريرة - صلى اللَّه عليه وسلم -: "أنا أولى الناس بالمؤمنين في كتاب اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- فأيكم ما ترك دينًا، أو ضَيعةً، فادعوني، فأنا وليّه، وأيكم ما ترك مالاً، فليُؤثَر بماله عصبتُهُ من كان". وفي رواية: "ومن ترك كَلًّا وَلِيتُه".
قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: و"الضَّيَاع"، و"الضَّيعة" بفتح الضاد: المراد بهم العيال المحتاجون الضائعون. قال الخطّابيّ: الضياع، والضيعة هنا وصف لورثة الميت بالمصدر، أي ترك أولادًا، أو عيالاً ذَوِي ضَيَاع، أي لا شيء لهم، والضَّيَاع في الأصل مصدر ضاع، ثم جُعل اسمًا لكلّ ما يُعَرَّض للضَّيَاع.