خرج بالمسلمين إلى المصلى لقصد تكثير الجمع الذين يصلون عليه، ولإشاعة كونه مات على الإسلام، فقد كان بعض الناس لم يدر كونه أسلم، فقد روى ابن أبي حاتم في "التفسير" من طريق ثابت، والدارقطنيُّ في الأفراد"، والبزّار من طريق حميد، كلاهما عن أنس - رضي اللَّه عنه -: أن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - لما صلّى على النجاشيّ قال بعض أصحابه: صلى على عِلْج من الحبشة، فنزلت: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} الآية [آل عمران: ١٩٩]، وله شاهد في "معجم الطبرانيّ الكبير" من حديث وحشيّ بن حرب، وآخر عنده في "الأوسط" من حديث أبي سعيد، وزاد فيه أن الذي طعن بذلك فيه كان منافقًا. ومنها: أنه استُدلّ به على مشروعيّة الصلاة على الميت الغائب عن البلد، وبذلك قال الشافعيّ، وأحمد، وجمهور السلف، حتى قال ابن حزم: لم يأت عن أحد من الصحابة منعه. وقدم تقدّم تمام البحث فيه، وأن الراجح جوازه في ٥٧/ ١٩٤٦، فراجعه تستفد، وباللَّه تعالى التوفيق.
فائدة: قال في "الفتح": أجمع كلّ من أجاز الصلاة على الغائب أن ذلك يُسقط فرضَ الكفاية، إلا ما حُكي عن ابن القطّان، أحد أصحاب الوجوه من الشافعيّة أنه قال: يجوز، ولا يُسقط الفرض انتهى (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
١٩٧١ - أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ, عَنْ مَالِكٍ, عَنِ ابْنِ شِهَابٍ, عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى اللَّه عليه وسلم -, نَعَى لِلنَّاسِ النَّجَاشِيَّ, الْيَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ, ثُمَّ خَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى, فَصَفَّ بِهِمْ, فَصَلَّى عَلَيْهِ, وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ".
رجال هذا الإسناد: ستة
١ - (سويد بن نصر) المروزي الملقب "شاه"، رواية ابن المبارك، ثقة [١٠] ٤٥/ ٥٥.
(عبد اللَّه) بن المبارك الإمام الحجة الثبت [٨] ٣٢/ ٣٦.
٣ - (مالك) بن أنس، إمام دار الهجرة الحجة الثبت [٧] ٧/ ٧.
٤ - (ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري الإمام الحجة الثبت رأس [٤] ١/ ١.
٥ - (سعيد بن المسيب) بن حَزْن بن وهب القرشيّ الإمام الحجة الثبت من كبار [٣].
٦ - (أبو هريرة) - رضي اللَّه عنه - ١/ ١. واللَّه تعالى أعلم.
وقوله: "نعى للناس" أي أخبرهم بموته. وقوله: "اليومَ الذي مات فيه"، "اليوم" منصوب على الظرفيّة. وقوله: "إلى المصلّى" بصيغة اسم المفعول، أي إلى المكان الذي كان يُصلَّى فيه على الجنازة. وفي رواية ابن ماجه: "فخرج وأصحابه إلى البقيع،
(١) - "فتح" ج ٣ ص ٥٤٥ "كتاب الجنائز" -"باب الصفوف على الجنائز".