عن ابن جريج أنه (قال: سَمِعْتُ نَافِعًا، يَزْعُمُ) أي يقول. قال الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: زَعَم زَغمًا، من باب قتل يقتل، وفي "الزّعم" ثلاث لغات: فتح الزاي، للحجاز، وضمها لأسد، وكسرها لبعض قيس، وُيطلق بمعنى القول، ومنه زَعَمت الحنفيّة، وزعَم سيبويه، أي قال، وعليه قوله تعالى:{أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ} الآية [الإسراء: ٩٢]، أي كما أخبرت. ويطلق على الظن، وعلى الاعتقاد، والغالب أن يستعمل فيما كان باطلًا أو فيه ارتياب. أفاده في "المصباح"
قال الجامع - عفا اللَّه عنه -: وما هنا من النوع الأول، فلا يراد هنا الظّنّ ولا غيره، بل المراد القول الحقّ. واللَّه تعالى أعلم.
(أَنَّ ابْنَ عُمَرَ) - رضي اللَّه عنهما - (صَلَّى عَلَى تِسْعِ جَنَائِزَ جَمِيعًا) منصوب على الحال، أي حال كونها مجتمعة، يعني أنه صلى عليها مرّة واحدة (فَجَعَلَ الرِّجَالَ يَلُونَ الإِمَامَ، وَالنِّسَاءَ يَلِينَ الْقِبْلَةَ، فَصَفَّهُنَّ صَفًّا وَاحِدًا) أي وضعهنّ في صفّ واحد بالطول نحول القبلة (وَوُضِعَتْ جَنَازَةُ أُمِّ كُلْثُومِ) الظاهر أن هذه واقعة أخرى غير الواقعة المذكورة التي صلى فيها ابن عمر - رضي اللَّه عنهما - علىَ تسع جنائز، لأن الإمام فيها ابن عمر - رضي اللَّه عنهما -، والإمام في هذه سعيد بن العاص، كما يأتي قريبًا (بنْتِ عَلِيٍّ) بن أبي طالب - رضي اللَّه عنه -، بجرّ "بنت" صفة لـ "أمّ كلثوم"(امْرَأَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) - رضي اللَّه عنه -، بجرّ "امرأة" أيضًا بدلاً من "أمّ كلثوم"(وَابْنٍ لَهَا) بجرّ "ابن" عطفًا على "أم كلثَوم"(يُقَالُ لَهُ: زَيْدٌ) بن عمر (وُضِعَا جمِعًا، وَالإِمَامُ يَوْمَئِذٍ سَعِيدُ ابْنُ الْعَاصِ) بن أميّة الأمويّ، لكونه أمير المدينة في ذلك الوقت، وكان لسعيد هذا عند موت النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - تسع سنين، وذُكر في الصحابة، وولي إمرة الكوفة لعثمان، وإمرة المدينة لمعاوية، ومات سنة (٥٨) وقيل: غير ذلك، وتقدّم [١٧/ ١٥٢٩](وَفِي الناسِ ابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَبُو سَعِيدٍ، وَأَبو قَتَادَةَ، فَوُضِعَ الْغُلَامُ) أي زيد المذكور، وفي نسخة:"ووضع" بالواو (مِمَّا يَلي الإِمَامَ، فَقَالَ رَجُلٌ:) الظاهر أنه عمّار بن أبي عمّار المتقدّم في الباب الماضي (فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ، فَنَظَرْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي قَتَادَةَ، فَقُفتُ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: هِيَ السُّنَّةُ) أي هذه الكيفيّة هي السنة المنقولة عن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، واللَّه تعالى أعلم.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الحديث صحيح، تقدّم تخريجه في الباب الماضي. وبقي الكلام على اختلاف العلماء في حكم اجتماع جنائز الرجال والنساء، فاقول -وباللَّه سبحانه وتعالى التوفيق-:
مسألة: في اختلاف أهل العلم في ترتيب جنائز الرجال والنساء إذا اجتمعت: