قال الإمام ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: اختلفوا في جنائز الرجال والنساء إذا اجتمعت كيف توضع؟ فقالت طائفة: يكون الرجال يَلُون الإمامَ، والنساءُ أمامَ ذلك، مما يلي القبلة، روينا ذلك عن عثمان بن عفّان، وعلي بن أبي طالب، والحسن، والحسين، وزيد بن ثابت، وابن عمر، وابن عباس، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وأبي قتادة - رضي اللَّه عنهم -.
وبه قال سعيد بن المسيّب، والشعبيّ، والنخعيّ، وعطاء، والزهريّ، ويحيى الأنصاريّ، ومالك، وسفيان الثوريّ، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
وقال طائفة: يجعل النساء مما يلي الإمام، والرجال مما يلي القبلة، هذا قول الحسن، والقاسم، وسالم، وروي هذا القول عن مسلمة بن مُخَلَّد.
وفيه قول ثالث: وهو أن يصلّي على المرأة على حِدَةٍ، وعلى الرجل على حِدَةٍ، فَعَلَ ذلك ابنُ مغفّل، وقال: هذا لا شكّ فيه.
قال ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: بالقول الأول أقول، للسنّة التي ذكرها من ذكرنا ذلك عنه من أصحاب رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - انتهى (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الحق عندي ما رجّحه ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-؛ لأنه الذي ثبت بالسنّة التي ذكرها أبو سعيد الخدريّ، وابن عباس، وأبو هريرة، وأبو قتادة - رضي اللَّه عنهم -، وأما الأقوال الأخرى فلا أثارة عليها من حجة، سوى الاجتهاد الصِّرْف، وهو إذا عارض السنة، يُلْغَى، "إذا جاء نهر اللَّه بطل نهر مَعْقِل". واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
١٩٧٩ - أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ, قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ, وَالْفَضْلُ بْنُ مُوسَى ح وَأَخْبَرَنَا سُوَيْدٌ, قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ, عَنْ حُسَيْنٍ الْمُكْتِبِ, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ, عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -, صَلَّى عَلَى أُمِّ فُلَانٍ, مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا, فَقَامَ فِي وَسَطِهَا.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الحديث متفق عليه، وقد تقدم قبل باب، وتقدّم شرحه، والكلام على مسائله هناك، ولا يظهر لي مناسبة ذكره في هذا الباب، واللَّه سبحانه وتعالى أعلم.
و"الفضل بن موسى": هو السِّينَانيّ -بمهملة مكسورة، ونونين- أبو عبد اللَّه المروزيّ، ثقة ثبت، ربما أغرب، من كبار [٩] ٨٣/ ١٠٠، والباقون تقدّموا قريبًا.
وقوله: "المكتب" بصيغة اسم الفاعل، من الإكتاب، أو التكتيب، وهو تعليم
(١) - "الأوسط" بتصرّف، واختصار ج ٥ ص ٤١٩ - ٤٢٢.