للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويسلّم، ثم ينصرف. وقال مالك في هذا قف حيث وَقَفتِ السنّةُ أن لا تكبّر الخامسة.

وقالت طائفة: يكبر خمسا إذا كبّر الإمام خمسًا، هذا قول أحمد بن حنبل، وقال إسحاق: لو كبر ستا، أو سبعًا -يعني يتبعه-. وذكر لأحمد إذا كبّر ستا، أو سبعًا، أو ثمانيا، قال: أما هذا فلا، وأما خمس فقد روي عن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، ونحن نختار أربعًا. قال ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: ثبتت الأخبار عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - من وجوه شتّى أنه كبّر على الجنائز أربعًا، وقد تكلّم في حديث زيد بن أرقم، فقالت طائفة من أصحاب الحديث به، وممن كان لا يمتنع منه، ولا ينهى عنه، ويرى الاقتداء بالإمام إذا كبّر خمسًا أحمد بن حنبل، وكان يرى أن يكبّر أربعًا، ودفعت طائفة من أصحابنا حديث زيد ابن أرقم، وقالت: لم يكن زيد يكبّر أربعا إلا لعلمه أن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - كان يكبّر خمسًا، ثم صار آخر الأمر إلى أن كبّر أربعًا، ولولا ذلك ما كان زيد يكبّر أربعًا، فدلّ فعله على ذلك أن ذلك آخر الأمرين من رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - ما كان زيد يختاره، والدليل على ذلك حديث عمر - رضي اللَّه عنه -:

حدثنا موسى بن هارون، قال: ثنا أبي، قال: ثنا يزيد بن هارون، ووهب بن جرير، قالا: أخبرنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن المسيّب، قال: قال عمر: كل ذلك قد كان، خمس، وأربع، فجمع الناس على أربع. وقال وهب في حديثه: فأمر الناس بأربع (١).

والأخبار التي روبت عن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه كبر أربعا أسانيدها جياد صحاح، لا علّة لشيء منها. انتهى كلام ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- باختصار وتصرّف (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الحقّ أن الأولى أن يكبّر أربعًا، لورد الأدلّة بذلك، وثبوتها ثبوتا متواترا، من طرق جماعة من الصحابة: أبي هريرة، وابن عباس، وجابر، وعقبة بن عامر، والبراء بن عازب، وزيد بن ثابت، وابن مسعود، وغيرهم - رضي اللَّه عنهم -، وإن كبر خمسًا، جاز، لثبوته من حديث بن أرقم - رضي اللَّه عنه - المذكور في الباب، وأخرجه مسلم في "صحيحه".

وأما قول ابن عبد البرّ: وانعقد الإجماع بعد ذلك على أربع، وأجمع الفقهاء، وأهل الفتوى بالأمصار على أربع، على ما جاء في الأحاديث الصحاح، وما سوى ذلك عندهم فشذوذ، لا يلتفت إليه انتهى.

فدعوى باطلة، فإن الخلاف في ذلك معروف بين الصحابة ومن بعدهم، وقد


(١) - قلت حديث ابن المسيب فيه انقطاع، لأنه لم يسمعه من عمر - رضي اللَّه عنه -.
(٢) - "الأوسط" ج ٥ ص ٤٢٩ - ٤٣٤.