(منها): أنه من خماسيات المصنف -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-. (ومنها): أن رجاله كلهم رجال الصحيح، سوى شيخه، فإنه من أفراده. (ومنها): أنه مسلسل بالمدنيين. (ومنها): أن فيه رواية تابعي، عن تابعيّ، والابن عن أبيه، وفيه ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما - أحد العباددة الأربعة، وأحد المكثرين السبعة، وقد تقدّموا غير مرّة. واللَّه تعالى أعلم.
شرح الحديث
(عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبدِ الِلهِ بْنِ عَوْفٍ) الزهريّ، أنه (قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْن عَبَّاسِ) - رضي اللَّه عنهما - (عَلَى جَنَازَةٍ، فَقَرَأَ بفَاتحِةِ الْكِتَابِ، وَسُورَةٍ، وَجَهَرَ) أي بقراءتهما (حَتَّىَ أَسْمَعَنَا، فَلَمَّا فَرَغَ أَخَذْتُ بيَدِهِ، فَسَأَلْتُهُ) أي عن قراءة فاتحة الكتاب، والسورة، وفي الرواية التالية:"فسألته، فقلَت: تقرأ"، (فَقَالَ: سُنَّةٌ، وَحَقٌّ) وفي الرواية: "قال: نعم، إنه حقّ، وسنّة" وفي رواية للحاكم، من طريق ابن عجلان، أنه سمع سعيد بن المسيّب يقول:"صلى ابن عباس على جنازة، فجهر بالحمد، ثم قال: إنما جهرت لتعلموا أنها سنة". يعني أن القراءة سنة النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، وحقّ أي ثابت ثبوت الواجب الذي لا بدّ منه، فدلّ كلامه هذا طى وجوب قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة، وأما جهره، فلأجل التعليم، كما صرّح هو به. وقد تقدّم أن قول الصحابيّ: من السنة كذا له حكم الرفع على الصحيح، وهو الذي عليه جمهور أهل العلم.
وقال الحاكم بعد رواية ابن المسيّب المذكورة: ما نصّه: وقد أجمعوا على أن قول الصحابيّ: "سنة" حديث مسند. قال الحافظ: كذا نقل الإجماع، مع أن الخلاف عند أهل الحديث، وعند الأصوليين شهير، وعلى الحاكم فيه مَأخَذٌ آخر، وهو استدراكه له، وهو في البخاريّ.
وقد روى الترمذيّ من وجه آخر عن ابن عباس - رضي اللَّه عنهما -، أن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب، وقال: لا يصحّ هذا، والصحيح عن ابن عباس قوله:"من السنة". قال الحافظ: وهذا مصير منه إلى الفرق بين الصيغتين، ولعله أراد الفرق بالنسبة إلى الصراحة والاحتمال. واللَّه أعلم.
وروى الحاكم أيضًا من طريق شُرَحبيل بن سعد، عن ابن عباس، "أنه صلى على جنازة بالأبواء، فكبّر، ثم قرأ الفاتحة، رافعا صوته، ثم صلى على النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، ثم قال: اللَّهمّ عبدك، وابن عبدك أصبح فقيرًا إلى رحمتك، وأنت غنيّ عن عذابه، إن كان زاكيًا فزكّه، وإن كان مخطئًا فاغفر له، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلّنا بعده، ثم كبّر ثلاث