فقوله:"السنة في الصلاة على الجنازة الخ" ليس له حكم الرفع، مثل ما تقدّم عن ابن عباس - رضي اللَّه عنهما -، فكيف يكون صحيحًا؟.
[قلت]: قد ثبت أنه رواه عن أصحاب النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقد رواه الحاكم في "مستدركه" من طريق حرملة بن يحيى، ثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حُنيف، وكان من كبراء الأنصار، وعلمائهم، وأبناء الذين شهدوا بدرًا مع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، أخبره رجال من أصحاب رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - في الصلاة على الجنازة، أن يكبّر الإمام، ثمّ يصلّي على النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، ويُخلص الصلاة في التكبيرات الثلاث، ثم يسلّم تسليما خفيّا حين ينصرف، والسنّة أن يفعل من وراءه مثل ما فعل إمامه.
قال الزهريّ: حدّثني بذلك أبو أمامة، وابن المسيّب يسمع، فلم يُنكر ذلك عليه، قال ابن شهاب: فذكرت الذي أخبرني أبو أمامة من السنّة في الصلاة على الميت لمحمد ابن سويد، قال: وأنا سمعت الضحّاك بن قيس، يحدّث عن حبيب بن مسلمة في صلاة صلّاها على الميت، مثل الذي حدثنا أبو أمامة.
قال الحاكم -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وليس في التسليمة الواحدة على الجنازة أصحّ منه انتهى. وأقره الذهبي.
قال الجامع عفا اللَّه تعالى: في قوله: "على شرط الشيخين" نظر، لأن حرملة بن يحيى ليس من رجال البخاريّ، بل هو من رجال مسلم. لكن أخرج الحديث الطحاويّ في "شرح معاني الآثار"[١/ ٥٠٠] عن ابن أبي داود، عن أبي اليمان، عن شعيب بن أبي حمزة، عن الزهريّ به، بلفظ: "أن رجلاً من أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أخبره أن السنّة في الصلاة على الجنازة أن يكبّر الإمام، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب سرّا في نفسه، ثم يختم الصلاة في التكبيرات الثلاث.
قال الزهريّ: فذكرت الذي أخبرني أبو أمامة من ذلك لمحمد بن سويد الفهريّ، فقال: وأنا سمعت الضحّاك بن قيس يحدّث عن حبيب بن مسلمة، في الصلاة على الجنازة، مثل الذي حدّثك أبو أمامة انتهى (١). وهذا من شرطهما، بلا شكّ.
والحاصل أن حديث أبي أمامة كحديث ابن عباس - رضي اللَّه عنهما - صحيح، له حكم الرفع، لأنه رواه عن رجال من الصحابة - رضي اللَّه عنهم - ومثل هذا يأتي في حديث الضحّاك بن قيس الآتي في السند التالي، فإنه رواه عن مسلمة بن حبيب، كما مرّ آنفّا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.