تلك الأوقات يُمنع للأدلّة المتقدمة هناك، من أن ذوات الأسباب لا يُنهى عنها في تلك الأوقات، واللَّه تعالى أعلم.
(أَوْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا) أي نجعل له قبرا، يقال: قَبَره، يَقْبُره، ويَقْبِره، من بابي قتل، وضرب، قبرًا، ومَقْبَرًا: دفنه، وأقبره: جعل له قبرًا. أفاده في "ق". والمراد به هنا دفنه.
قال السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ما حاصله: حَمَل كثير من العلماء هذا الحديث على صلاة الجنازة، ولعله من باب الكناية، لملازمة بينهما، ولا يخفى أنه بعيد، لا ينساق إليه الذهن من لفظ الحديث، قال بعضهم: يقال: قبره إذا دفنه، ولا يقال: قبره، إذا صلّى عليه، والأقرب أن الحديث يميل إلى قول أحمد وغيره أن الدفن مكروه فى هذه الأوقات انتهى (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: بل الحديث ظاهر في المنع عن الدفن فيها، فلا يجوز إلا للضرورة، كما تقدّم البحث عنه أول الباب، فتبصّر. واللَّه تعالى أعلم بالصواب.
(حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ) من باب قعد (بَازِغَةً) أي طالعة ظاهرة، لا يخفى طلوعها لمن يراها، وهي حال مؤكدة لعاملها (حَتَّى تَرْتَفِعَ) وفي نسخة: "حتى ترفع". أي إلى أن ترتفع كرمح في رأي العين، كما بُيِّن في حديث عمرو بن عَبَسَة المتقدّم في "كتاب الصلاة"، حيث قال:"فدع الصلاة حتى ترتفع قِيدَ رُمح، ويذهب شُعاعها … "، والقِيد بالكسر: القَدْر (وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ) أي يقف، ويستقرّ الظلّ الذي يقف عادة عند الظهيرة، حسبما يبدو، فإن الظلّ عند الظهيرة لا يظهر له سرعة حركة حتى يظهر بمرأى العين أنه واقف، وهو سائر حقيقة، والمراد عند الاستواء. وقد تقدم في الباب المذكور تمام البحث في ذلك (حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ) أي تميل من وسط السماء إلى جهة الغرب (وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ) بتشديد الياء، بعد الضاد المعجمة المفتوحة، مضارع ضَيّف، فهو بحذف إحدى التاءين، كقوله تعالى:{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ}[القدر: ٤] وقوله: {نَارًا تَلَظَّى}[الليل: ١٤] وقيل: هو بسكون الياء بعد الضاد، يقال: ضاف: إذا مال، كضيّف، وتضيّف. والمعنى حين تميل الشمس ("لِلْغُرُوب") زاد في الرواية السابقة في "الصلاة": "حتى تغرب"، أي حتى يتكامل غروبها.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الحديث أخرجه مسلم، وقد تقدم للمصنف في