للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إلى برّ الأولاد بالآباء، خصوصًا بعد الوفاة. ومنها: كرامة عبد اللَّه بن عمرو وصاحبه - رضي اللَّه عنهما - حيث لم تأكل الأرض جسدهما مع طول لبثهما فيها، قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: والظاهر أن ذلك لمكان الشهادة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة الرابعة: في أقوال أهل العلم في حكم إخراج الميت من قبره بعد الدفن:

قال أبو محمد ابن قدامة -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- في "المغني": وإن تُيقّن أن الميت قد بَلِي، وصار رميمًا جاز نبش قبره، ودفن غيره فيه. وإن شكّ في ذلك رجع إلى أهل الخبرة، فإن حَفَر، فوجد فيها عظاما دفنها، وحفر في مكان آخر. نصّ عليه أحمد. واستدلّ بأن كسر عظم الميت، ككسر عظم الحيّ. وسئل أحمد عن الميت يُخرَج من قبره إلى غيره؟ فقال: إذا كان شيء يؤذيه، قد حُوّل طلحة، وحُوّلت عائشة. وسئل عن قوم دُفنوا في بساتين، ومواضع رديئة؟ فقال: قد نَبَش معاذ امرأته، وقد كانت كفّنت في خُلقان، فكفّنها. ولم ير أبو عبد اللَّه بأسًا أن يُحوّلوا انتهى (١).

وقال النووي -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- في "شرح المهذّب": وأما نبش القبر، فلا يجوز لغير سبب شرعيّ، باتفاق الأصحاب، ويجوز بالأسباب الشرعيّة، قال: ومختصره: أنه يجوز نبش القبر إذا بَلي الميت، وصار تُرابًا، وحينئذ يجوز دفن غيره فيه، ويجوز زرع تلك الأرض، وبناؤها، وسائر وجوه الانتفاع، والتصرّف فيها باتفاق الأصحاب، وإن كانت عارية رجع فيها المعير.

وهذا كلّه إذا لم يبق للميت أثر، من عظم وغيره، قال أصحابنا -رحمهم اللَّه تعالى-: ويختلف ذلك باختلاف البلاد، والأرض، ويُعتمد فيه قول أهل الخبرة بها.

وبجوز نبش الميت إذا دفن لغير القبلة، أو بلا غسل على الصحيح فيهما، أو بلا كفن، أو في كفن مغصوب، أو حرير، أو أرض مغصوبة، أو ابتلع جوهرة، أو وقع في القبر مال.

قال الماورديّ في "الأحكام السلطانية": إذا لحق القبرَ سيلٌ، أو نداوة، قال أبو عبد اللَّه الزبيريّ: نَقْلُه يجوز، ومنعه غيره.

قال النوويّ: قول الزبيريّ أصح، فقد ثبت في "صحيح البخاري" عن جابر بن عبد اللَّه - رضي اللَّه عنهما - أنه دفن أباه يوم أحد مع رجل آخر في قبر، قال: ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع آخر، فاستخرجته بعد ستة أشهر، فإذا هو كيوم وضعته، هنية غير أذنه (٢) وفي رواية للبخاريّ أيضًا: "أخرجته، فجعلته في قبر على حِدَةٍ".


(١) - "مغني ابن قدامة" ج ٣ ص ٤٤٣ - ٤٤٤.
(٢) - وفي رواية "غير هنيّة في أذنه"، وصوّبها القاضي عياض، وقد تقدم هذا.