في الظاهر ما وقع في "الموطإ" عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، أنه بلغه أن عمرو بن الْجَمُوح، وعبد اللَّه بن عمرو الأنصاريين كانا قد حَفَر السيلُ قبرهما، وكانا في قبر واحد، فحُفِر عنهما؛ ليُغَيّرا من مكانهما، فوُجدا لم يتغيّرا، كأنهما ماتا بالأمس، وكان بين أحد، ويوم حُفر عنهما ست وأربعون سنة، وقد جمع بينهما ابن عبد البرّ بتعدد القصّة، وفيه نظر؛ لأن الذي في حديث جابر أنه دَفَن أباه في قبر وحده بعد ستة أشهر، وفي حديث "الموطإ" أنهما وُجدا في قبر واحد بعد ست وأربعين سنة، فإما أن يكون
المراد بكونهما في قبر واحد قرب المجاورة، أو أن السيل خَرَق أحد القبرين، فصارا كقبر واحد. وقد ذكر ابن إسحاق القصّة في "المغازي"، فقال: حدثني أبي عن أشياخ من الأنصار، قالوا:"لما ضرب معاوية عينه التي مرّت على قبور الشهداء، انفجرت العين عليهم، فجئنا، فأخرجناهما -يعني عمرًا وعبد اللَّه- وعليهما بردتان، قد غُطّي بهما وجوههما، وعلى أقدامهم شيء من نبات الأرض، فأخرجناهما يتثنيان تثنّيًا؛ كأنهما ماتا بالأمس"، وله شاهد بإسناد صحيح عند ابن سعد، من طريق أبي الزبير، عن جابر انتهى (١).
(وَدَفَنْتُهُ عَلَى حِدَةٍ) -بكسر الحاء، وتخفيف الدال المهملتين- أي بانفراده، يقال: وَحَدَ يَحِدُ حِدَةَ، من باب وَعَدَ: انفرد بنفسه، فهم وَحَدٌ -بفتحتين، وكسر الحاء لغةٌ، ووحُدَ بالضمّ وَحَادة، وَوَحْدَةً، فهو وَحِيد، كذلك، وكلّ شيء على حدة: أي متميِّز عن غيره. قاله في "المصباح". واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
المسألة الأولى: في درجته: حديث جابر - رضي اللَّه عنه - هذا أخرجه البخاريّ.
المسألة الثانية: في بيان مواضعه عند المصنف، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -٩٣/ ٢٠٢١ - وفي "الكبرى" ٤٨/ ٢١٩٣. وأخرجه (خ) ١٣٥١ و ١٣٥٢ و ١٣٤٥ و ١٣٤٦ و ١٣٦٨ و ١٣٤٣ و ١٣٥٣ و٤٠٨٠ (د) ٣١٣٨ (ت) ١٠٣٦ (ق) ١٥١٤ (أحمد) ١٣٧٧٧. واللَّه تعالى أعلم.
المسألة الثالثة: في فوائده:
منها: ما ترجم له المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، وهو جواز إخراج الميت من قبره بعد دفنه لحاجة. ومنها: جواز دفن الاثنين، فأكثر في قبر واحد للضرورة. ومنها: الارشاد