للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث

(عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ) بفتح الهاء، وتشديد الياء المثناة من تحت، وآخره جيم، قال السيوطِيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: ليس له في الكتب إلا هذا الحديث انتهى (١) (قَالَ: قَالَ: عَليٌّ - رضي اللَّه عنه -: "ألَا") أداة استفتاح، وتنبيه (أَبْعَثُكَ) أي أرسلك (عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -) أي إلى مثل الذي أرسلني إليه - صلى اللَّه عليه وسلم - (لَا تَدَعَنَّ) بنون التوكيد المشدّدة، أي لا تتركنّ، وهذه الجملة بيان لما بعث به عليّ - رضي اللَّه عنه - أبا الهيّاج، ولفظ مسلم: "أن لا تدع"، وعليه تكون الجملة بيانا لما بعث به النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - عليا - رضي اللَّه عنه -، و"أن" مصدرية، و"لا" نافية، فيكون خبرًا لمبتدإ محذوف، أي هو عدم تركي الخ. ويحتمل أن تكون "أن" تفسيرية، و"لا" ناهية (قَبْرًا مُشْرِفًا) اسم فاعل، من الإشراف، وهو الارتفاع، أي مرتفعًا عن الأرض.

قال السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: قيل: المراد هو الذي بُني عليه حتى ارتفع، دون الذي أُعلم عليه بالرمل، والحصى، والحجر؛ ليعرف، فلا يوطأ، ولا فائدة في البناء عليه، فلذلك نُهي عنه. وذهب كثير إلى أن الارتفاع المأمور إزالته ليس هو التسنيم على وجه يُعلم أنه قبر، والظاهر أن التسوية لا تُناسب التسنيم انتهى (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الصواب أن معنى التسوية هو التسطيح، وهو غير التسنيم، فلا يُشرع التسنيم، لأنه مما لا يدلّ عليه دليل. واللَّه تعالى أعلم.

(إِلَّا سَوَّيْتَهُ) أي ألصقته بالأرض، قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: فيه أن السنّة أن القبر لا يُرفع على الأرض رفعًا كثيرًا، ولا يُسنّم، بل يُرفع نحو شبر، ويسطّح، وهذا مذهب الشافعيّ، ومن وافقه، ونقل القاضي عياض عن أكثر العلماء أن الأفضل عندهم تسويتها، وهو مذهب مالك انتهى (٣).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ظاهر الحديث على ما قاله القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، وأما التسنيم، وكذا رفعه نحو شبر فمما لا دليل عليه، كما تقدم. واللَّه تعالى أعلم.

[تنبيه]: قال في "المنهل العذب المورود": واتفق العلماء على استحباب رفع القبر نحو شبر؛ ليُعلم أنه قبر، فيتوقى، وُيترحّم على صاحبه، إلا أن يكون مسلما في دار الحرب، فيُخفى قبره مخافة أن يَتعرّض له الكفّار بالأذى انتهى (٤).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: دعوى اتفاق العلماء على استحباب رفع القبر شبرًا


(١) - "زهر الربى" ج ٤ ص ٨٨.
(٢) - "شرح السندي" ج ٤ ص ٨٨.
(٣) - "شرح مسلم" ج ٧ ص ٤٠.
(٤) - "المنهل العذب" ج ٩ ص ٧٥.