منها: ما بوّب له المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، وهو الأمر بتسوية القبور إذا كانت مرتفعة. ومنها: شدة اعتناء النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - بإزالة المنكرات. ومنها: إزالة المنكر باليد، كما قال النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -: "من رأى منكم منكرًا، فليغيّره بيده، فإن لم يستطع، فبلسانه، فان لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان". رواه مسلم. ومنها: عدم جواز رفع القبر عن وجه الأرض. ومنها: وجوب محو صور ذوات الأرواح، أو تغييرها عن هيئتها، واللَّه تعالى أعلم.
المسألة الرابعة: قال العلامة الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: عند شرح حديث الباب: ما نصّه: فيه أن السنة أن القبر لا يُرفع رفعًا كثيرًا، من غير فرق بين من كان فاضلًا، ومن كان غير فاضل.
والظاهر أن رفع القبور زيادة على القدر المأذون فيه محرّم، وقد صرّح بذلك أصحاب أحمد، وجماعة من أصحاب الشافعيّ، ومالك، والقول بأنه غير محظور؛ لوقوعه من السلف والخلف بلا نكير -كما قال الإمام يحيى، والمهديّ في "الغيث"- لا يصحّ؛ لأن غاية ما فيه أنهم سكتوا عن ذلك، والسكوت لا يكون دليلاً، إذا كان في الأمور الظنّيّة، وتحريم رفع القبور ظنّيّ.
ومِنْ رَفْعِ القبور الداخل تحت الحديث دخولا أوّليّا الْقُبَبُ، والْمَشَاهد المعمورة على القبور، وأيضًا هو من اتخاذ القبور مساجد، وقد لعن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - فاعل ذلك، وكم قد سَرَى عن تشييد أبنية القبور، وتحسينها، من مفاسد يَبكِي لها الإسلام، منها اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفّار للأصنام، وعظم ذلك، فظنّوا أنها قادرة على جلب النفع، ودفع الضرّ، فجعلوها مقصدًا لطلب قضاء الحوائج، وملجأ لنجاح المطالب، وسألوا منها ما يسأله العباد من ربّهم، وشدّوا إليها الرحال، وتمسّحوا بها، واستغاثوا. وبالجملة إنهم لم يَدَعُوا شيئا، مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه، فإنا للَّه، وإنا إليه راجعون.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: بل زاد هؤلاء على ما كان عليه أهل الجاهلية، فإنهم كانوا يعبدون الأصنام ويدعونها في الرخاء، فإذا أصابتهم شدة أخلصوا التوحيد للَّه تعالى، والتجأوا إليه، وتركوها، كما قال اللَّه تعالى:{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}[العنكبوت: ٦٥]، وأما هؤلاء فالرخاء والشدة عندهم سواء، فلا يزالون يقولون في جميع أحوالهم: يا سيدي فلان أغثنا، أنقذنا مما نحن فيه، فانا للَّه، وإنا إليه راجعون.