للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

١٢٨٣ - حدثنا آدم، حدثنا شعبة، حدثنا ثابت، عن أنس بن مالك - رضي اللَّه عنه -، قال: مَرّ النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، بامرأة تبكي عند قبر، فقال: "اتقي اللَّه، واصبري"، قالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، فأتت بابَ النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، فلم تجد عنده بَوّابِين، فقالت: لم أعرفك، فقال: "إنما الصبر، عند الصدمة الأولى".

وموضع الدلالة منه أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - لم ينكر على المرأة قعودها عند القبر، وتقريرُهُ - صلى اللَّه عليه وسلم - حجة. وممن حمل الإذن على عمومه للرجال والنساء عائشة - رضي اللَّه عنها -، فروى الحاكم من طريق ابن أبي مليكة، أنه رآها زارت قبر أخيها عبد الرحمن، فقيل لها: أليس قد نهى النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - عن ذلك؟ قالت: نعم، كان نهى، ثم أمر بزيارتها.

وقيل: الإذن خاصّ بالرجال، ولا يجوز للنساء زيارة القبور، وبه جزم الشيخ أبو إسحاق في "المهذّب"، واستدلّ بحديث عبد اللَّه بن عمرو الذي تقدم للمصنف في ٢٧/ ١٨٨٠ - عن عبد اللَّه بن عمرو، قال: بينما نحن نسير مع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، إذ بصر بامرأة … " الحديث، وفيه: قال لها: "ما أخرجك من بيتك، يا فاطمة قالت: أتيت أهل هذا الميت، فترحمت إليهم، وعزيتهم بميتهم، قال: "لعلك بلغت معهم الكُدَى؟ " قالت: معاذ اللَّه أن أكون بلغتها، وقد سمعتك تذكر في ذلك ما تذكر، فقال لها: "لو بلغتها معهم، ما رأيت الجنة، حتى يراها جد أبيك". لكن الحديث ضعيف كما تقدّم.

وبحديث: "لعن اللَّه زَوّارات القبور"، أخرجه الترمذيّ، وصححه من حديث أبي هريرة، وله شاهد من حديث ابن عباس، ومن حديث حسان بن ثابت.

قال: واختلف من قال بالكراهة في حقّهنّ، هل هي كراهة تحريم، أو تنزيه؟. انتهى كلام الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الراجح في هذه المسألة هو ما عليه أكثر أهل العلم، من أن زيارة القبور جائزة للرجال والنساء؛ لصحّة الأحاديث بذلك:

فمنها: حديث الباب، فإن الخطاب، وإن كان للذكور، إلا أنه يشمل النساء بدليل الأحاديث الأخرى.

ومئها: حديث عائشة - رضي اللَّه عنها - الذي أخرجه مسلم، من حديثها الطويل، وفيه: أنها قالت: قلت: كيف أقول لهم يا رسول اللَّه؟: قال: "قولي: السلام على أهل الديار، من المؤمنين، والمسلمين، ويرحم اللَّه المستقدمين منا، والمستأخرين، وإنا إن شاء اللَّه بكم للاحقون". فإنه - صلى اللَّه عليه وسلم - علمها ما يُشرَع قوله عند زيارة القبور، ولم يمنعها من


(١) - "فتح" ج ٣ ص ٤٩٢ - ٤٩٣.