للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والجزع، وتجديد الحزن، أو من التبرّج، والتزين الذي يتسبب للفتنة.

وقد تقدّم عن القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، أن اللعن المذكور في الحديث إنما هو للمكثرات من الزيارة، لما تقتضيه الصيغة من المبالغة، ولعل السبب ما يُفضي إليه ذلك من تضييع حق الزوج والتبرّج، وما ينشأ من الصياح، وقد يقال: إذا أُمن جميع ذلك فلا مانع من الإذن لهن، لأن تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء انتهى.

قال الشوكاني -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: وهذا الكلام هو الذي ينبغي اعتماده في الجمع بين أحاديث الباب المتعارضة في الظاهر انتهى (١).

والحاصل أن الصواب جواز زيارة القبور للنساء، لكن بشرط أن يكنّ ملتزمات ما أوجب الشرع عليهنّ عند الخروج إلى المساجد، ونحوها، بأن يكنّ محتجبات، غير متطيبات، وغير مُظهرات زينتهنّ، وغير قاصدات للمحظور المذكور، من النياحة، بل لمجرّد السلام، والدعاء للميت، وتذكر الآخرة، والاعتبار بأصحاب القبور، كما بيّن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - ذلك حينما أمر بزيارتها، بقوله: "إنها تذكر الآخرة"، وقوله: "تزهد في الدنيا"، و"تُرِقّ القلب، وتُدمع العين"، وأشار - صلى اللَّه عليه وسلم - إلى اجتناب المحظورات بقوله: "فلا تقولوا هُجرا". واللَّه سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٢٠٣٣ - أَخْبَرَنَا (٢) مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ, قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ, عَنْ أَبِي فَرْوَةَ, عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ سُبَيْعٍ, حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ, أَنَّهُ كَانَ فِي مَجْلِسٍ, فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -, فَقَالَ: «إِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ, أَنْ تَأْكُلُوا لُحُومَ الأَضَاحِيِّ, إِلاَّ ثَلَاثًا, فَكُلُوا, وَأَطْعِمُوا, وَادَّخِرُوا, مَا بَدَا لَكُمْ, وَذَكَرْتُ لَكُمْ, أَنْ لَا تَنْتَبِذُوا فِي الظُّرُوفِ: الدُّبَّاءِ, وَالْمُزَفَّتِ, وَالنَّقِيرِ, وَالْحَنْتَمِ, انْتَبِذُوا فِيمَا رَأَيْتُمْ, وَاجْتَنِبُوا كُلَّ مُسْكِرٍ, وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ, فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَزُورَ, فَلْيَزُرْ, وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا».

رجال هذا الإسناد: ستة:

١ - (محمد بن قُدامه) بن أعين الهاشميّ مولاهم، المصّيصيّ، ثقة [١٠] ١٩/ ٥٢٨.

٢ - (جرير) بن عبد الحميد بن قُرْط الضبيّ الكوفيّ، نزيل الرَّيّ، ثقة ثبت [٨] ٢/ ٢.

٣ - (أبو فَرْوة) الأكبر عروة بن الحارث الْهَمْدانيّ الكوفيّ، ثقة [٥].

قال عثمان الدارميّ، عن ابن معين: ثقة. وذكره ابن حبّان في "الثقات". روى له


(١) - "نيل الأوطار" ج ٤ ص ١٣٤ - ١٣٥.
(٢) - وفي نسخة: "أخبرني".