للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إحياء أبويه - صلى اللَّه عليه وسلم - ضعيف جدًّا حتى حكم عليه بعض الأئمة بالوضع، كالدارقطنيّ، والجوزقانيّ، وابن الجوزيّ، وابن دحية، وصرّح بضعفه فقط غير واحد، كابن شاهين، والخطيب، وابن عساكر، والسهيليّ، والمحبّ الطبريّ، وابن سيّد الناس، وقد اعترف بضعفه السيوطيّ أيضًا، حيث قال: وروى ابن شاهين حديثا مسندًا في ذلك، لكن الحديث مضعّف.

وأما الآية الكريمة: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ} فهي مكيّة، وزيارته - صلى اللَّه عليه وسلم - لقبر أمه كانت عام الفتح، وقيل: عام الحديبية، سنة ستّ من الهجرة. وقيل: الآية في حقّ الأمم السالفة السابقة خاصّة. وقيل: المنفيّ فيها عذاب الاستئصال في الدنيا، لا عذاب الآخرة. وقيل: المراد: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ} في الأعمال التي لا سبيل إلى معرفتها إلا بعد مجيء الشرع، من أنواع العبادات والحدود.

وأما القول بأنه تعالى يوفّقهما للخير عند الامتحان يوم القيامة، فهي دعوى مجرّدة، من غير برهان، فلا يُلتفت إليه.

قال النوويّ في شرحِ حديث أنس - رضي اللَّه عنه -: أن رجلا قال: يا رسول اللَّه أين أبي؟ قال: "في النار"، قال: فلما قَفَّى دعاه، فقال: "إن أبي وأباك في النار": ما نصّه: فيه أن من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان، فهو من أهل النار، وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة، فإن هؤلاء قد بلغتهم دعوة إبراهيم، وغيره من الأنبياء، صلوات اللَّه وسلامه عليهم انتهى كلام النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-.

وهذا يدلّ على أن النوويّ يكتفي في وجوب الإيمان على كلّ أحد ببلوغه دعوة من قبله من الرسل، وإن لم يكن مرسلا إليه، وإلى هذا ذهب الْحَلِيميّ، كما صرّح به في "منهاجه".

وقال القاري: الجمهور على أن والديه - صلى اللَّه عليه وسلم - ماتا كافرين، وهذا الحديث أصحّ ما ورد في حَقِّهما. وقول ابن حجر -يعني الهيتمي-: وحديث إحيائهما حتى آمنا به، ثم توفيا حديث صحيح، وممن صححه الإمام القرطبيّ، والحافظ ابن ناصر الدين (١). فعلى


(١) - الظاهر أنه ابن ناصر الدين المعروف بابن المنيّر الآتي في كلام السيوطيّ، وليس هو المحدث الكبير الحافظ المشهور ابن ناصر الدين الدمشقيّ، بدليل أنه ضعّف الحديث، كما ذكر السيوطيّ عنه، ونصه: وقال الحافظ شمس الدين ابن ناصر الدين الدمشقيّ في كتابه المسمى "مورد الصادي في مولد الهادي" بعد إيراده الحديث المذكور، منشدا لنفسه:
حَبَا اللَّهُ النَّبِيَّ مَزِيدَ فَضْلٍ … عَلَى فَضْلٍ وَكَانَ بِهِ رَؤُوفَا
فَأَحْيَا أُمَّهُ وَكَذَا أَبَاهُ … لإيمَانٍ بِهِ فَضْلاً لَطِيفاَ
فَسَلّم فَالقَدِيمُ بِذَا قَدِيرٌ … وَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ بِهِ ضَعِيفاَ
فبان بهذا أن الحافظ ابن ناصر الدين ممن ضعف الحديث، لا ممن صححه، فتنبه.