للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تقدير صحته لا يصلح أن يكون معارضًا لحديث مسلم، مع أن الحفاظ طعنوا فيه.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قول ابن حجر: حديث صحيح، غير صحيح، وكذا نسبته التصحيح إلى القرطبيّ، وابن ناصر الدين غير صحيحة أيضًا، فقد ذكر السيوطيّ مَن مال إلى القول بإحيائهما، وإيمانهما من العلماء الخطيبَ، والسهيليّ، والقرطبيّ، والمحب الطبريّ، والعلامة ناصر الدين ابن المنيّر، وغيرهم، وذكر استدلالهم بالحديث المذكور، ثم قال هذا الحديث ضعيف باتفاق المحدثين، بل قيل: إنه موضوع الى آخر كلامه، والسيوطيّ من أشدّ من حاول في إثبات النجاة لهما، ولكن عمدته في ذلك عموم الآيات، كقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ} الآية، وغيرها، والأدلة العقلية، فلو كان أحد من حفاظ الحديث قال بصحة هذا الحديث لذكره، ونصره، وهو مع شدة بحثه للأدلة في المسألة لم يستطع إلى أن يصححه بكل ما أوتيه من العلم، وإنما دافع عن القول بوضعه فقط، ولم يبرهن على ذلك.

وبالجملة، فالحديث ما صححه عالم له عناية بالحديث، وإنما صححه من يعتمد على الرؤيا المنامية، والطرف الكشفية، التي لم يأذن اللَّه تعالى بها التشريع، وإنما غايتها إن كانت صحيحة أن يُستأنس بها في تثبيت ما ثبت شرعًا، لا في إثبات ما أبطله علماء الحديث، وغيرهم ممن أوجب اللَّه تعالى اتباعهم على الأمة، وجعلهم مرجعا لها في المعضلات، حيث قال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٤٣]. واللَّه تعالى أعلم بالصواب.

وقال القاري: ومنعوا جوازه أيضًا بأن إيمان اليأس غير مقبول إجماعًا، كما يدلّ عليه الكتاب والسنّة، وبان الإيمان المطلوب من المكلّف إنما هو الإيمان الغيبيّ، وقد قال اللَّه تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} الآية [الأنعام: ٢٨]. وهذا الحديث الصحيح صريح أيضًا في ردّ ما تشبث به بعضهم بأنهما كانا من أهل الفترة، ولا عذاب عليهم، مع اختلاف في المسألة (١).

قال صاحب "المرعاة": واعلم أن هذه المسألة كثر النزاع والخلاف بين العلماء فيها، فمنهم من نصّ على عدم نجاة الوالدين، كما رأيت في كلام النوويّ، والقاري، وقد بسط الكلام في ذلك القاري في "شرح الفقه الأكبر"، وفي رسالة مستقلّة له. ومنهم من شهد لهما بالنجاة، كالسيوطيّ، وقد ألّف في هذه المسألة سبع رسائل (٢)، بسط الكلام فيها، وذكر الأدلة من الجانبين، من شاء رجع إليها، والأسلم، والأحوط عندي هو


(١) - "مرقاة المفاتيح" ج ٤ ص ٢٥٠ - ٢٥١.
(٢) - هكذا في "المرعاة"، والذي في كلام القاري في المرقاة "ثلاث رسائل"، فليحرّر.