للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَلَيكَ سَّلَامٌ مِنْ أَمِيرٍ وَبَارَكَتْ … يَدُ اللَّهِ فِي ذَاكَ الأَدِيمِ الْمُمَزَّقِ

وقال ابن العربيّ في السلام على أهل البقيع: لا يعارض النهي في حديث أبي جُرَيّ؛ لاحتمال أن يكون اللَّه أحياهم لنبيّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فسلم عليهم سلام الأحياء، كذا قال. قال الحافظ: ويردّه حديث عائشة المذكور (١).

وقال النوويّ: فيه ترجيح لقول من قال في قوله: "سلام عليكم دار قوم مؤمنين": إن معناه أهل دار قوم مؤمنين، وفيه أن المسلم والمؤمن قد يكونان بمعنى واحد، وعطف أحدهما على الآخر؛ لاختلاف اللفظ، وهو بمعنى قوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات: ٣٥ - ٣٦] ولا يجوز أن يكون المراد بالمسلم في هذا الحديث غير المؤمن؛ لأن المؤمن إن كان منافقًا لا يجوز السلام عليه، والترحّم انتهى (٢).

(يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنّا) أي المتقدّمين إلى الآخرة، فالسين والتاء فيه، وفي "المستاخرين ليستا للطلب، بل زائدتان للتوكيد (وَالْمُسْتَأْخِرِينَ) أي المتأخرين في الدنيا، وهم الأحياء، ففيه الدعاء بالرحمة للأحياء والأموات (وَإنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ") اختُلف في إتيانه بالاستثناء مع أن الموت لا شكّ فيه على أقوال:

"أحدها"، وهو أظهرها: أنه ليس للشكّ، وإنما هو للتبرّك، وامتثال أمر اللَّه له بقوله: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: ٢٣ - ٢٤].

قال الحافظ أبو عمر -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: الاستثناء قد يكون في الواجب، لا شكّا، كقوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ} [الفتح: ٢٧]، ولا يُضاف الشك إلى اللَّه تعالى. "والثاني": أنه عادة المتكلّم، يُحسّن به كلامَهُ. "والثالث": أنه عائد إلى اللحوق في هذا المكان، والموتِ بالمدينة. "والرابع": أن "إن" بمعنى "إذ".

"والخامس": أنه راجع إلى استصحاب الإيمان لمن معه. "والسادس": أنه كان معه من يظنّ بهم النفاق، فعاد الاستثناء إليهم.

وحكى الحافظ أبو عمر أنه عائد إلى معنى "مؤمنين"، أي لاحقون في حال إيمان؛ لأن الفتنة لا يأمنها أحد، ألا ترى قول إبراهيم - عليه السلام -: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم: ٣٥] وقول يوسف - عليه السلام -: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: ١٠١]، ولأن نبينا - صلى اللَّه عليه وسلم - كان يقول:


(١) -يعني قولها: كيف أقول؟ قال: "قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين".
(٢) - "شرح مسلم" ج ٧ ص ٤٧ - ٤٨. "كتاب الجنائز".