للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أن يكون مخافة أن يأتي بعض حُجَر نسائه، والأول أظهر، لأنه لم يعنفها هنا، كما عنفها فيما تقدّم. واللَّه تعالى أعلم

(فَتَبِعَتْهُ، حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ، فَوَقَفَ فِي أَدْنَاهُ) أي أقرب جهاته إلى بيته (مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقِفَ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَسَبَقَتْهُ بَرِيرَةُ، فَأخبَرَتْنِي) أي بما فعل في البقيع، من الدعاء والاستغفار لهم (فَلَمْ أَذْكُرْ لَهُ شَيئًا، حَتَّى أَصْبَحْتُ، ثُمَّ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: "إِنِّي بُعِثْتُ إِلَى أَهْلِ الْبَقِيعِ، لِأُصلِّيَ عَلَيْهِمْ") أي لأدعو، وأستغفر لهم. هذا محل استدلال المصنّف -رحمه اللَّه تعالى- لترجمته، "الأمر بالاستغفار للمؤمنين"، ووجهه أن المراد بالصلاة هو الاستغفار، وهذا هو المعنى الظاهر الذي يؤيده حديث عائشة السابق - رضي اللَّه عنها -، وغيره، واللَّه تعالى أعلم.

وقال الحافظ أبو عمر -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: يحتمل أن تكون الصلاة ههنا الدعاء، فإن كان ذلك، ففيه دليل على أن زيارة القبور، والدعاء لأهلها عندها أفضل، وأرجى لقبول الدعاء، فكأنه أُمر أن يستغفر لهم، ويدعو بالرحمة، كما قيل له: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [سورة محمد: ١٩]. ويحتمل أن تكون الصلاة ههنا الصلاة على الموتى، فإن كان ذلك فهو خصوص لهم، فإجماع المسلمين على أنه لا يصلِّي أحد على قبر مرتين، ولا يصلي أحد على قبر مَن لم يُصلَّ عليه إلا أن يكون بحِدْثَان ذلك، وأكثر ما قالوا في ذلك ستة أشهر.

ويحتمل أن يكون هذا ليعلمهم بالصلاة منه عليهم؛ لأنه ربما دُفن من لم يصلّ عليه؛ كالمسكينة ومثلها؛ ليكون مساويا بينهم في الصلاة عليهم، ولا يؤثر بعضهم بذلك ليتمّ عدله فيهم؛ لأن صلاته على من صلى عليه رحمة، وبركة، ورفعة.

ومن هذا المعنى قسم صلاة الخوف بالطائفتين، ولم يقدّم أحدًا من أصحابه، يصلي بالطائفة الأخرى؛ ليشملهم عدله، ولا يؤثر بعضهم لنفسه.

وقد قيل: إن خروجه للبقيع للصلاة على أهله كان كالمودّع للأحياء والأموات.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن الاحتمال الأول هو الظاهر، كما هو رأي المصنف -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، كما ذكرته قريبًا، فإنه يؤيّده حديث عائشة - رضي اللَّه عنها - الذي قبل هذا، فالمراد بالصلاة هنا هو الدعاء، والاستغفار لهم. واللَّه تعالى أعلم.

قال: وقوله: "إني بعثت إلى أهل البقيع لآصلي عليهم"، فهو عندي كلام خرج مخرج العموم، ومعناه الخصوص، كانه قال: بُعثت إلى البقيع لأصلي على من لم أصل عليه من أصحابي ليعمّهم بذلك.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله أبو عمر -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، فيه نظر،