للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مضرّته إلى قلبه، وهو لا يشعُر بمنزلة سراية النار من الثوب إلى الجلد انتهى (خَيْرٌ لَهُ) أي أحسن، وأهون عليه (مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرِ") فيه أنه لا يجوز الجلوس على القبر مطلقًا، وأن المراد الجلوس على حقيقته، وليس كناية عن البول والغائط، كما قيل.

وإلى التحريم ذهب الجمهور، قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: في هذا الحديث تحريم القعود، والمراد الجلوس عليه، هذا مذهب الشافعيّ، وجمهور العلماء -رحمهم اللَّه تعالى-، وقال أيضًا: والقعود عليه حرام، وكذا الاستناد إليه، والاتكاء عليه انتهى (١).

وأما ما رواه الطحاويّ من طريق محمد بن كعب، عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -، مرفوعًا: "من جلس على قبر، يبول عليه، أو يتغوّط، فكأنما جلس على جمر"، فإسناده ضعيف. وما روي أن ابن عمر - رضي اللَّه عنهما - كان يجلس على القبر يحمل على أنه لم يبلغه النهي (٢). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلق بهذا الحديث:

المسألة الأولى: في درجته: حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - هذا أخرجه مسلم.

المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:

أخرجه هنا -١٠٥/ ٢٠٤٤ - وفي "الكبرى" ١٠٥/ ٢١٧١. وأخرجه (م) ٢٢٤٥ و ٢٢٤٦ (د) ٣٢٢٨ (ق) ١٥٦٦ (أحمد) ٨٠٤٦ و ٨٨١١ و ٩٤٣٩ و ١٠٤٥١. واللَّه تعالى أعلم.

المسألة الثالثة: في أقوال أهل العلم في حكم الجلوس على القبر:

قال الحافظ أبو عمر ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: الآثار مروية من طرق عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه نهى عن القعود على القبور، من حديث عقبة بن عامر، وجابر، وأبي هريرة، وغيرهم، ومن الرواة من يوقف حديث عقبة، وحديث أبي هريرة، ويجعله من حديثهما. وأما حديث جابر، فذكر عبد الرزاق، قال: حدثنا ابن جريج، قال: أخبرنا ابن الزبير أنه سمع جابر بن عبد اللَّه يقول: سمعت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - ينهى أن يقعد الرجل على القبر، ويُقصّص، أو يبنى عليه. وذكر أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا حفص، عن ابن جريج، عن جابر، قال: نهى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أن يُقعَد عليها. يعني القبور. وعن ابن مسعود - رضي اللَّه عنه -: لأن أطأ على جمرة حتى تُطفأ أحبّ إليّ من أقعد على قبر. وعن أبي بكرة مثله سواءً. وعن أبي هريرة، قال: لأن يجلس أحدكم على جمرة، فتُحرق رداءه،


(١) - "شرح مسلم" ج ٧ ص ٤١ "كتاب الجنائز".
(٢) - راجع "المرعاة" ج ٥ ص ٤٣٤.