للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يُكره الجلوس المتعارف انتهى ما في "الفتح" (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن ما ذهب إليه الجمهور من تحريم الجلوس على القبور هو الصواب، للأحاديث الصحاح التي تقدّمت. وأما ما احتجّ به الذين قالوا إن المراد بالجلوس قضاء الحاجة عليها، كما نُقل عن مالك، وغيره، من الآثار التي رويت عن عليّ، وابن عمر، وزيد بن ثابت، وأبي هريرة - رضي اللَّه عنهم -، فالجواب عنها، أن نقول: أما أثر عليّ - رضي اللَّه عنه - فضعيف، لأن في سنده مولى لآل علي - رضي اللَّه عنه -، ولم يسمّ، وأما أثر ابن عمر - رضي اللَّه عنهما -، وإن كان صحيحًا، فلا يعارض الثابت عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، بل يحمل على أنه لم يبلغه النهي. وأما أثر زيد بن ثابت - رضي اللَّه عنه -، وإن كان صحيحا، فلا يعارض الأحاديث الصحاح الصريحة بالنهي عن الجلوس، بل هو حديث آخر، سمعه زيد عن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، ينهى عن الجلوس لقضاء الحاجة، كما سمعه الآخرون ينهى عن مطلق الجلوس، فهذا هو وجه العمل بالحديثين، وإن سلكنا مسلك الترجيح، فالأحاديث الأخرى ترجّح عليه، لكونها أقوى منه، فقد أخرجها مسلم في "صحيحه"، من حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -، ومن حديث أبي مَرْثَد الغنويّ - رضي اللَّه عنه -، وصح أيضًا من حديث جابر - رضي اللَّه عنه -، وورد أيضًا من حديث عمرو بن حزم - رضي اللَّه عنه -، وهو الحديث الآتي للمصنّف بعد هذا، فهذه الأحاديث أرجح من حديث زيد بن ثابت - رضي اللَّه عنه -، وأقوى، فترجّح عليه، لكن الجمع أولى، كما أسلفناه آنفًا. وأما أثر أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - فضعيف، لأن في سنده محمد بن أبي حميد الأنصاريّ الزرقي المدنيّ، لقبه حماد، ضعيف، فالصحيح من حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - المرفوع، وهو النهي عن الجلوس.

فتبيّن بهذا أن الصواب هو ما عليه الجمهور من المنع عن الجلوس على القبور مطلقًا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٢٠٤٥ - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ, عَنْ شُعَيْبٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ, قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ, عَنِ ابْنِ أَبِي هِلَالٍ, عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ, عَنِ النَّضْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّلَمِيِّ, عَنْ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ, عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -, قَالَ: «لَا تَقْعُدُوا عَلَى الْقُبُورِ».

رجال هذا الإسناد: ثمانية:

١ - (محمد بن عبد اللَّه بن عبد الحكم) المصريّ الفقيه، ثقة [١١] ١٢٠/ ١٦٦.

٢ - (شعيب) بن الليث الفَهْميّ، أبو عبد الملك المصريّ، ثقة فقيه نبيل، من كبار


(١) - "فتح" ج ٣ ص ٥٨٩ - ٥٩٠. "كتاب الجنائز".