ما أصبحت أنقم على اللَّه شيئا، قد أعطاني اللَّه تبارك وتعالى، كل خير، قال: فأتينا على قبور المشركين، فقال:"لقد سبق هؤلاء خيرا كثيرا"، ثلاث مرات " ثم أتينا على قبور المسلمين، فقال: "لقد أدرك هؤلاء خيرا كثيرا"، ثلاث مرات، يقولها، قال: فبَصَرَ برجل يمشي بين المقابر في نعليه، فقال: "ويحك، يا صاحب السبتيتين، ألق سبتيتيك"، مرتين، أو ثلاثا، فنظر الرجل، فلما رأى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، خلع نعليه.
حدثنا عبد الصمد، حدثنا الأسود، حدثنا خالد بن سمير، حدثنا بشير بن نهيك، قال: حدثني بشيرُ رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - وكان اسمه في الجاهلية زَحْمَ بن معبد- فهاجر إلى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فسأله، فقال: "ما اسمك؟ قال: زَحْمٌ قال: لا بل أنت بشير، فكان اسمَهُ، قال: بينا أنا أماشي رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، إذ قال: يا ابن الخصاصية، "ما أصبحت تنقم، على اللَّه تبارك وتعالى، أصبحت تماشي رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -"، قال أبو شيبان -وهو الأسود بن شيبان-: أحسبه قال" "آخذا بيده"، فقلت: يا رسول اللَّه، بأبي وأمي، ما أنقم على اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- شيئا … " فذكر الحديث، وقال:"يا صاحب السبتيتين، ألق سبتيتيك … ".
(فَمَرَّ عَلَى قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ:"لَقَدْ سَبَقَ هَؤُلَاءِ شَرًّا كَثِيرًا) أي تقدّموا شرّا كثيرًا، وحادوا عنه، حتى جعلوه خلف ظهورهم، وفي رواية أبي داود: "لقد أدرك هؤلاء خيرًا كثيرًا" (ثُمَّ مَرَّ عَلَى قُبُورِ المُشرِكِينَ، فَقَالَ: "لَقَدْ سَبَقَ هَؤُلَاءِ خَيْرًا كَثِيرًا") أي تقدّموا على الخير، وجعلوه خلف ظهورهم. زاد في رواية أبي داود: "ثلاثا"، أي كرر الكلام ثلاث مرات (فَحَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ) أي قرُبت منه التفاتة. وفي رواية أبي داود: "ثم حانت من رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - نظرةٌ" (فَرَأَى رَجُلًا) هو بشير الراوي، كما بُيِّنَ في رواية ابن حزم في "المحلى" من طريق سليمان بن حرب، عن الأسود بن شيبان، قال: بينما أنا أمشي بين المقابر، وعليّ نعلان، إذ ناداني رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، يا صاحب السبتيتين، يا صاحب السبتيتين، إذا كنت في مثل هذا المكان، فاخلع نعليك، قال: فخلعتهما".
فتبيّن بهذه الرواية أن الرجل المبهم في رواية المصنّف هو بشير بن الخصاصية - رضي اللَّه عنه - نفسه. واللَّه تعالى أعلم.
(يَمْشِي بَيْنَ الْقُبُورِ، فِي نَعْلَيْهِ) أي وهما سبتيتان (فَقَالَ: "يَا صَاحِبَ البْتِيَّتَيْنِ) وفي رواية أبي داود: "فقال: "يا صاحب السبتيّتين، ويحك ألق سبتيتيك".
قال ابن منظور -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: السِّبْتُ بالكسر: كلّ جلد مدبوغ. وقيل: هو المدبوغ بالقَرَظ خاصّة؛ وخصّ بعضهم به جلود البقر، مدبوغة كانت، أم غير مدبوغة.
ونعالٌ سِبْتِيّةٌ: لا شعر عليها. وقال الجوهريّ: السِّبْت بالكسر: جلود البقر المدبوغة