وأراد بذلك أنه كان مقلّدًا في دينه، فلم يكن منفردًا عنهم بمذهب، فلا اعتراض عليه حقّا، كان ما عليه، أو باطلاً. وفيه ذمّ التقليد في الاعتقاد، بل يجب أن يعتقد عالما جازمًا.
(فَيُقَالُ لَهُ: لَا دَرَيْتَ) أي لا حققت بنفسك أمر الدين (وَلَا تَلَيْتَ) أي ولا تبعت مَن حقّق الأمر على وجهه. قيل: أصله: تلوت بالواو، بمعنى قرأت، إلا أنه قُلبت الواو للازدواج.
وقال في "الفتح": قوله: "ولا تليت" كذا في أكثر الروايات بمثناة مفتوحة، بعدها لام مفتوحة، وتحتانيّة ساكنة. قال ثعلب: قوله: "تليت" أصله تلوت، أي لا فهمت، ولا قرأت القرآن، والمعنى لا دريت، ولا اتبعت من يدري، وإنما قاله بالياء لمؤاخاة "دريت". وقال ابن السّكّيت: قوله: "تليت" إتباع، ولا معنى لها. وقيل: صوابه: ولا ائتليت، بزيادة همزتين، قبل المثناة بوزن افتعلت، من قولهم: ما ألوت، أي ما استطعت، حُكِيَ ذلك عن الأصمعيّ، وبه جزم الخطّابيّ. وقال الفرّاء: أي قصرت، كأنه قيل له: لا دريت، ولا قصرت في طلب الدراية، ثم أنت لا تدري. وقال الأزهريّ: الألَوُ يكون بمعنى الجهد، وبمعنى التقصير، وبمعنى الاستطاعة. وحكى ابن قتيبة، عن يونس بن حبيب أن صواب الرواية "لا دريت، ولا أتليت" بزيادة ألف، وتسكين المثنّاة، كأنه يدعو عليه بأن لا يكون له من يتبعه، وهو من الإتلاء، يقال: ما أتلت إبلُهُ، أي لم تلد أولادًا يتبعونها. وقال: قول الأصمعيّ أشبه بالمعنى، أي لا دريت، ولا استطعت أن تدري. ووقع عند أحمد، من حديث أبي سعيد:"لا دريت، ولا اهتديت"، وفي مرسل عبيد بن عمير، عند عبد الرزاق:"لا دريت، ولا أفلحت". (ثُمَّ يُضْرَبُ) بالبناء للمفعول. زاد في رواية البخاريّ:"بمطارق من حديد". وفي حديث البراء "لو ضرب بها جبل لصار ترابا". وحديث أسماء:"ويسلّط عليه دابّة في قبره، معها سوط، ثمرته جمرة، مثل غرب البعير، تضربه ما شاء اللَّه، صمّاء، لا تسمع صوته، فترحمه". وزاد في أحاديث أبي سعيد، وأبي هريرة، وعائشة التي أشرنا إليها:"ثم يُفتح له باب إلى الجنة، فيقال له: هذا منزلك لو آمنت بربك، فأما إذ كفرت، فإن اللَّه أبدلك هذا، ويفتح له باب إلى النار". زاد في حديث أبي هريرة:"فيزداد حسرة، وثبورا، ويضيّق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه". وفي حديث البراء:"فينادي مناد من السماء: أفرشوه من النار، وألبسوه من النار، وافتحوا له بابًا إلى النار، فيأتيه من حرّها، وسَمُومها".
(ضَرْبَةً، بَيْنَ أُذُنَيْهِ) أي على وجهه (فَيَصِيحُ صَيْحَةً، يَسْمَعُهَا مَن يَلِيهِ، غَيْرُ الثَّقَلَيْنِ")