أي الإنس، والجنّ، قيل لهم: ذلك، كالثقل على وجه الأرض. وفي حديث البراء:"يسمعه من بين المشرق والمغرب". وفي حديث أبي سعيد، عند أحمد:"يسمعه خلق اللَّه كلهم غير الثقلين، وهذا يُدخل الحيوان والجماد، لكن يمكن أن يُخصّ منه الجماد، ويؤيده أن في حديث أبي هريرة عند البزّار: "يسمعه كلّ دابة إلا الثقلين".
قال المهلّب: الحكمة في أن اللَّه يُسمع الجن قول الميت قدِّموني، ولا يُسمعهم صوته إذا عذّب، أن كلامه قبل الدفن متعلّق بأحكام الدنيا، وصوته إذا عذّب في القبر متعلّق بأحكام الآخرة، وقد أخفى اللَّه على المكلفين أحوال الآخرة، إلا من شاء اللَّه، إبقاءً عليهم، كما تقدم انتهى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
المسألة الأولى: في درجته: حديث أنس - رضي اللَّه عنه - هذا متفق عليه.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -١١٠/ ٢٠٥١ - ١٠٨/ ٢٠٤٩ و ١٠٩/ ٢٠٥٠ وفي " الكبرى" ١٠٨/ ٢١٧٦ و ١٩/ ٢١٧٧ و ١١٠/ ٢١٧٨. وأخرجه (خ) ١٣٣٨ و ١٣٧٤ (م) ٢٨٧١ (د) ٣٢٣١ و ٤٧٥١ (أحمد) ١١٨٦ و ١٣٠٣٤. واللَّه تعالى أعلم.
المسألة الثالثة: فى فوائده:
منها: ما بوّب له المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، وهو إثبات سؤال الكافر في القبر، وهذا القول هو الراجح، كما تقدّم قريبًا. ومنها: إثبات سؤال المؤمن في القبر، وهذا مما لا خلاف فيه. ومنها: إثبات سماع الميت قرع نعال من يدفنه، إذا انصرفوا من دفنه. ومنها: أن الذي يَسأل في القبر ملكان، اسم أحدهما منكر، واسم الآخر نكير. ومنها؟ أن سؤال القبر يكون عن التوحيد، ففيه بيان عظم شأن التوحيد. ومنها: أن من يُسال في قبره ينقسم إلى فسمين: مؤمن مخلص موفّق للإجابة، فيبشر برحمة اللَّه، وجنته، وغير مؤمن، فيَضِلّ عن الجواب، فيبشر بعذاب اللَّه، وسوء عاقبته، نسأل اللَّه تعالى أن يثبّتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا، وفي الآخرة، إنه بعباده لرؤوف رحيم. ومنها: أن فيه ذمّ التقليد في أمور الدين، ولا سيما باب العقائد؛ لمعاقبة من قال: "كنت أسمع الناس، يقولون شيئًا، فقلته"، فالواجب على المكلّف الاتباع، لا التقليد.
وليُعلَم الفرق بين الاتباع والتقليد، فإن الأول الاقتداء عن جزم، ويقين، وهو الذي أمر اللَّه تعالى به من لا يعلم، فقال:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[النحل: ٤٣]، ومن علامته أن المتبع إذا بُيِّنَ له أن العالم الذي أفتاه قد أخطأ في هذه