المسألة، يتركه، ويسأل من هو أعلم منه، وما هو الصواب فيها، فيتبعه، ولا يعاند.
وأما التقليد فهو الأخذ بقول الغير، من غير معرفة دليله، بل هو مجرّد اتباع للرأي المحض، سواء أصاب، أو أخطأ، ومن علامته أنه يعتقد أن خطأه أفضل من صواب غيره، بدليل أنه إذا ذُكر له أن مقلّده مخطئ مخالف للنصوص في هذه المسألة لا يتراجع عنه، بل يتمادى، ويعارض النصوص بدعوى أن مُقلَّدَه أعلم من غيره بالنصوص، وهذه هي الطامّة الكبرى التي حلّت بالمسلمين بعد القرون المفضّلة، ومن العجب العُجاب أن ترى هذه الصفة فيمن ينتسب إلى العلم، بل ربما يدّعي معرفة الأحاديث، فإنا للَّه، وإنا إليه راجعون.
ومنها: أن الميت يحيا في قبره للمسألة؛ خلافًا لمن ردّه، واحتجّ بقوله تعالى:{قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} الآية [غافر: ١١]، قال: فلو كان يحيا في قبره للزم أن يحيا ثلاث مرّات، ويموت ثلاثًا، وهذا خلاف النصّ.
والجواب عنه أن المراد بالحياة في القبر للمسألة، ليست الحياة المستقرّة المعهودة في الدنيا التي تقوم فيها الروح بالبدن، وتدبيره، وتصرّفه، وتحتاج إلى ما يحتاج إليه الأحياء، بل هي مجرّد إعادة لفائدة الامتحان، الذي وردت به الأحاديث الصحيحة، فهي إعادة عارضة، كما حيي خلق لكثير من الأنبياء؛ لمسألتهم لهم عن أشياء، ثم عادوا موتى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
المسألة الرابعة: قال في "الفتح": ما حاصله: هل تختصّ مسألة القبر بهذه الأمة، أم وقعت على الأمم قبلها؟ ظاهر الأحاديث الأَوّلُ، وبه جزم الحكيم الترمذيّ، وقال: كانت الأمم قبل هذه الأمة، تأتيهم الرسل، فإن أطاعوا، فذاك، وإن أبوا اعتزلوهم، وعوجلوا بالعذاب، فلما أرسل اللَّه محمدًا - صلى اللَّه عليه وسلم - رحمة للعالمين أُمسك عنهم العذاب، وقُبل الإسلام ممن أظهره، سواء أسرّ الكفر، أولا، فلما ماتوا قيّض اللَّه لهم، فَتَّاني القبر؛ ليستخرج سرّهم بالسؤال، وليميّز اللَّه الخبيث من الطيب، ويُثَبِّت اللَّه الذين آمنوا، وُيضلّ اللَّه الظالمين انتهى.
قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: ويؤيّده حديث زيد بن ثابت، مرفوعًا:"إن هذه الأمة تُبتلى في قبورها … " الحديث. أخرجه مسلم. ومثله عند أحمد، عن أبي سعيد، في أثناء حديث. ويؤيده أيضًا قول الملكين:"ما تقول في هذا الرجل محمدٍ". وحديث عائشة عند أحمد أيضًا، بلفظ:"وأما فتنة القبر فبي تُفتتنون، وعنّي تسألون".
وجنح ابن القيّم إلى الثاني، وقال: وليس في الأحاديث ما ينفي المسألة عمن تقدّم من الأمم، وإنما أخبر النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أمته بكيفية امتحانهم في القبور، لا أنه نفى ذلك عن