للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} الآية [الزمر: ٤١] (١).

ومنها: أن ابن عبد البرّ استدلّ به على أن الروح على أفنية القبور. قال: والمعنى عندي أنها قد تكون على أفنية قبورها، لا أنها لا تفارق الأفنية، بل هي كما قال مالك: إنه بلغه أن الأرواح تسرح حيث شاءت انتهى (٢). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة الرابعة: ما تقدّم من ذكر عرض المقعد على الميت في قبره واضح في الكافر، والمؤمن المخلص، أما المخلّط الذي له ذنوب هو مؤاخذ بها، غير معفوّ عنها، فماذا يُعرض عليه؟. قال وليّ الدين: الذي يظهر أن المعروض عليه مقعده من الجنة، وأما النار، فليس له بها مقعد مستقرّ، وإنما يدخلها لعارض، ليُنقّى، ويطهّر، ويُمحّص، ثم يدخل مقعده من الجنّة، نقيّا، مخلصًا. وذكر أبو العباس القرطبيّ في ذلك تردّدًا، فقال: وأما المؤمن المؤاخذ بذنوبه، فله مقعدان، مقعد في النار زمن تعذيبه، ومقعد في الجنّة بعد إخراجه، فهذا يقتضي أن يُعرضا عليه بالغداة والعشيّ، إلا إن قلنا: إنه أراد بأهل الجنّة كلّ من يدخلها، كيفما كان، فلا يحتاج إلى ذلك التفسير، واللَّه أعلم انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله القرطبيّ أخيرًا هو الأرجح، كما مال إليه وليّ الدين، كما مرّ آنفًا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة الخامسة: قال أبو العباس القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: هذا إخبار عن غير الشهداء، فإن أرواحهم في حواصل طير، تسرح في الجنّة، وتأكل من ثمارها.

قال الحافظ وليّ الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: هذا مبنيّ على أن عرض المقعد على الأرواح خاصّة، فلا يحتاج إلى عرضه عليها؛ لأنها في الجنة، وقد يقال: فائدة ذلك تبشيرها باستقرارها في الجنّة، مقترنة بجسدها في ذلك المحلّ المخصوص على التأبيد، وهذا قدر زائد على ما هي فيه، وأما إذا كان عرض المقعد على الأجساد، فلا مانع من أن الشهداء حينئذ كغيرهم، لأن الذي في الجنة إنما هو أرواحهم، وأما أجسادهم فهي في قبورهم، فتنعّم بعرض المقعد عليها بكرة وعشيّا.


(١) - أفاده في "الطرح" ونقلته بتصرف ج ٣ ص ٣٠٧.
(٢) - "فتح" ج ٣ ص ٦١٣، وسيأتي في المسألة الرابعة في الحديث الأول من الباب التالي بحث نفيس في مستقر الأرواح، إن شاء اللَّه تعالى.