للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المسألة الثالثة: في ذكر أقوال أهل العلم في معنى هذا الحديث:

قال الحافظ أبو عمر -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: واختدف العلماء في معنى هذا الحديث، فقال قائلون منهم: أرواح المؤمنين عند اللَّه في الجنّة، شهداءَ كانوا، أم غير شهداء، إذا لم يحبسهم عن الجنّة كبيرة، ولا دَين، وتلقّاهم ربهم بالعفو عنهم، والرحمة لهم. قال: واحتجوا بأن هذا الحديث لم يخصّ فيه شهيدًا من غير شهيد. واحتجّوا أيضًا بما روي عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - أن أرواح الأبرار في علّيّين، وأرواح الفجّار في سجّين، وعن عبد اللَّه بن عمرو مثل ذلك.

قال أبو عمر: وهذا قول يُعارضه من السنّة ما لا مدفع في صحّة نقله، وهو قوله: "إذا مات أحدكم عُرض عليه مقعده بالغداة، والعشيّ، إن كان من أهل الجنة، فمن أهل الجنّة، وإن كان من أهل النار، فمن أهل النار، يقال له: هذا مقعدك حتى يبعثك اللَّه إليه يوم القيامة". وقال آخرون: إنما معنى هذا الحديث في الشهداء، دون غيرهم؛ لأن القرآن، والسنة إنما يدلاّن على ذلك:

أما القرآن، فقوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} الآية [آل عمران: ١٦٩ - ١٧٠].

وأما الآثار، فذكر حديث أبي سعيد الخدريّ - رضي اللَّه عنه - طريق بقيّ بن مخلد، مرفوعًا: "الشهداء يغدون، ويروحون، ثم يكون مأماهم إلى قناديل معلّقة بالعرش، فيقول لهم الربّ تبارك، وتعالى: هل تعلمون كرامة أفضل من كرامة أُكرمتموها؟ فيقولون: لا، غيرَ أنا ودِدنا أنك أعدت أرواحنا في أجسادنا حتى نقاتل مرة أخرى، فنقتل في سبيلك". رواه عن هناد، عن إسماعيل بن المختار، عن المختار، عن عطيّة العوفي، عنه. وفيه عطيّة، وهو كثير الخطأ والتدليس.

ثم ساق حديث ابن عباس - رضي اللَّه عنهما -، من طريق سعيد بن جبير، عنه، قال: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لما أصيب إخوانكم بأحد، جعل اللَّه أرواحهم، في جوف طير خضر، ترد أنهار الجنة، تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل، من ذهب، معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم، ومشربهم، ومقيلهم، قالوا: من يبلغ إخواننا عنا، أنا أحياء في الجنة نرزق، لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكُلُوا عند الحرب، فقال اللَّه سبحانه: أنا أبلغهم عنكم، قال: فأنزل اللَّه: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ} إلى آخر الآية رواه أحمد، وأبو داود بإسناد صحيح.

ثم ذكر حديث الأعمش، عن عبد اللَّه بن مرة، عن مسروق، قال: سألنا عبد اللَّه - رضي اللَّه عنه - عن هذه الآية: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ