للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأما المقعد الخاصّ به، والبيت الذي أعدّ له، فإنه إنما يدخله يوم القيامة، ويدلّ عليه أن منازل الشهداء، ودورهم، وقصورهم التي أعدّ اللَّه لهم ليست هي تلك القناديل التي تأوي إليها أرواحهم في البرزخ قطعًا، فهم يرون منازلهم، ومقاعدهم من الجنة، ويكون مستقرّهم في تلك القناديل المعلّقة بالعرش، فإن الدخول التامّ الكامل إنما يكون يوم القيامة، ودخول الأرواح الجنة في البرزخ أمر دون ذلك.

ونظير هذا أهل الشقاء تُعرض أرواحهم على النار غدوّا وعشيا، فإذا كان يوم القيامة دخلوا منازلهم، ومقاعدهم التي كانوا يُعرضون عليها في البرزخ، فتنعم الأرواح بالجنة في البرزخ شيء، وتنعمها مع الأبدان يوم القيامة بها شيء آخر، فغذاء الروح من الجنّة في البرزخ دون غذائها مع بدنها يوم البعث، ولهذا قال: "تعلق في شجر الجنّة"، أي تأكل الْعُلْقة، وتمام الأكل والشرب، واللبس، والتمتع، فإنما يكون إذا رُدّت إلى أجسادها يوم القيامة، فظهر أنه لا يعارض هذا القولَ من السنن شيء، وإنما تعاضده السنّة، وتوافقه. وأما قول من قال: إن حديث كعب في الشهداء، دون غيرهم، فتخصيص، ليس في اللفظ ما يدلّ عليه، وهو محلّ اللفظ العامّ على أقلّ مسمياته، فإن الشهداء بالنسبة إلى عموم المؤمنين، قليل جدًّا والنبي - صلى اللَّه عليه وسلم - علّق هذا الجزاء بوصف الإيمان، فهو المقتضي له، ولم يُعلّقه بوصف الشهادة، ألا ترى أن الحكم الذي اختصّ بالشهداء علّق بوصف الشهادة، كقوله فيما أخرجه أحمد، والترمذيّ، وابن ماجه، واللفظ لأحمد من حديث المقدام بن معديكرب - رضي اللَّه عنه -: قال: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إن للشهيد عند اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، ست خصال، أن يُغفر له في أول دَفعة من دمه، ويُرى مقعده من الجنة، ويحلى حلة الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويجار من عذاب القبر، ويأمن يوم الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتةُ منه خير من الدنيا، وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة، من الحور العين، ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه" (١).

قال: فلما كان هذا يختصّ بالشهيد، قال: "إن للشهيد"، ولم يقل: إن للمؤمن.

وكذلك ما أخرجه أحمد بإسناد صحيح، من حديث قيس الجُذَاميّ، -رجل كانت له صحبة- قال: قال النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -: "يعطى الشهيد ست خصال، عند أول قطرة من دمه، يكفر عنه كل خطيئة، ويرى مقعده من الجنة، ويزوج من الحور العين، ويُؤَمَّن من


(١) - أخرجه أحمد رقم ١٦٧٣٠ - والترمذيّ ١٦٦٣ وابن ماجه ٣٧٩٩. وهو من رواية إسماعيل بن عياش، عن بحير بن سعد، وهو شاميّ، فالحديث صحيح.