للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال أبو عمر ابن عبد البرّ في شرح حديث ابن عمر: "إن أحدكم إذا مات عُرض عليه مقعده بالغداة، والعشيّ .... " الحديث. قال: وقد استدلّ به من ذهب إلى أن الأرواح على أفنية القبور، وهو أصحّ ما ذهب إليه في ذلك، واللَّه أعلم؛ لأن الأحاديث بذلك أحسن مجيئا، وأثبت نقلاً من غيرها. قال: والمعنى عندي أنها قد تكون على أفنية قبورها، لا على أنها تلزم، ولا تفارق أفنية القبور، كما قال مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: أنه بلغه أن الأرواح تَسرَح حيث شاءت. قال: وعن مجاهد أنه قال: الأرواح على أفنية القبور سبعة أيام من يوم دفن الميت، لا تفارق ذلك، واللَّه أعلم.

وقالت فرقة: مستقرّها العدم المحض، وهذا قول من يقول: إن النفس عرض، من أعراض البدن، كحياته، وإدراكه، فتعدم بموت البدن، كما تعدم سائر الأعراض المشروطة بحياته. وهذا قول مخالف لنصوص القرآن والسنة، وإجماع الصحابة، والتابعين.

وقالت فرقة: مستقرّها بعد الموت أرواح أُخَر، تناسب أخلاقها، وصفاتها التي اكتسبتها في حيال حياتها، فتصير كل روح إلى بدن حيوان يشاكل تلك الأرواح، فتصير النفس السَّبُعِيّة إلى أبدان السباع، والكلبية إلى أبدان الكلاب، والبهيمية إلى أبدان البهائم، والدنيّة، والسفليّة إلى أبدان الحشرات. وهذا قول المتناسخة، منكري المعاد، وهو قول خارج عن أقوال أهل الإسلام كلهم.

ثم ذكر الإمام ابن القيم -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: أدلة هذه الأقوال، وما لها، وعليها، بما لا تجده في كتاب غير كتابه هذا. ثم قال: فإن قيل: فقد ذكرتم أقوال الناس في مستقرّ الأرواح، ومأخذهم، فما هو الراجح من هذه الأقوال حتى نعتقده؟

قيل: الأرواح متفاوتة في مستقرّها في البرزخ أعظمَ تفاوت:

فمنها: أرواح في أعلى علّيّين، في الملأ الأعلى، وهي أرواح الأنبياء، صلوات اللَّه، وسلامه عليهم، وهم متفاوتون في منازلهم، كما رآهم النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - ليلة الإسراء. ومنها: أرواح في حواصل طير خضر، تسرح في الجنّة حيث شاءت، وهي أرواح بعض الشهداء، لا جميعهم، بل من الشهداء من تُحبس روحه عن دخول الجنة لدَيْنٍ عليه، أو غيره، كما في "المسند"، عن محمد بن عبد اللَّه بن جحش، أن رجلا جاء إلى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقال: يا رسول اللَّه، مالي إن قتلتُ في سبيل اللَّه؟ قال: "الجنة"، فلما ولى قال: "إلا الدين، سارني به جبريل آنفًا".

ومنهم: من يكون محبوسًا على باب الجنّة، كما في الحديث الآخر: "رأيت صاحبكم محبوسًا على باب الجنّة".