للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: ١٧٢] وقال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} الآية [الأعراف: ١١]. فصحّ أن اللَّه تعالى خلق الأرواح جملة، وكذلك أخبر - صلى اللَّه عليه وسلم - "أن الأرواح جنود مجنّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف". وأخذ اللَّه عهدها، وشهادتها له بالربوبيّة، وهي مخلوقة، مصوّرة، عاقلة، قبل أن يأمر الملائكة بالسجود لآدم، وقبل أن يدخلها في الأجساد، والأجساد يومئذ تراب، وماء، ثم أقرّها حيث شاء، هو البرزخ الذي ترجع إليه عند الموت، ثم لا تزال يبعث منها الجملة بعد الجملة، فينفخها في الأجساد المتولّدة من المنيّ، إلى أن قال: فصحّ أن الأرواح أجساد حاملة لأعراضها من التعارف، والتناكر، وأنها عارفة مميّزة، فيبدوهم اللَّه في الدنيا، كما يشاء، ثم يتوفّاهم، فترجع إلى البرزخ الذي رآها فيه رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - ليلة أُسري به عند سماء الدنيا، أرواح أهل السعادة عن يمين آدم، وأرواح أهل الشقاوة عن يساره، وذلك عند منقطع العناصر، ويعجّل أرواح الأنبياء، والشهداء إلى الجنّة.

قال: وقد ذكر محمد بن نصر المروزيّ، عن إسحاق بن راهويه أنه ذكر هذا الذي قلنا بعينه، قال: وعلى هذا أجمع أهل العلم.

قال ابن حزم: وهو قول جميع أهل الإسلام، قال: وهذا قول اللَّه تعالى: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (٨) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (٩) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (١٢) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} [الواقعة: ٨ - ١٤]، وقوله تعالى: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} إلى آخرها [الواقعة: ٨٨ - ٨٩]، فلا تزال الأرواح هنالك حتى يتمّ عدد الأرواح كلها بنفخها في الأجساد، ثم برجوعها إلى البرزخ، فتقوم الساعة، ويُعيد اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- الأرواح إلى أجسادها ثانية، وهي الحياة الثانية، يُحاسب الخلق، فريق في الجنّة، وفريق في السعير انتهى.

وقال أبو عمر ابن عبد البرّ: أرواح الشهداء في الجنة، وأرواح عامة المؤمنين على أفنية قبورهم. وقال ابن المبارك، عن ابن جُريج، فيما قُرئ عليه، عن مجاهد: ليس هي في الجنة، ولكن يأكلون من ثمارها، ويجدون ريحها. وذكر معاوية بن صالح، عن سعيد بن سُويد، أنه سأل ابن شهاب، عن أرواح المؤمنين؟ فقال: بلغني أن أرواح الشهداء كطير خُضْر، معلقة بالعرش، تغدو، وتروح إلى رياض الجنّة، تأتي ربها في كلّ يوم، تسلّم عليه.