للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: والدليل على انتفاعه بغير ما تسبب فيه القرآن، والسنّة، والإجماع، وقواعد الشرع:

أما القرآن، فقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} [الحشر: آية ١٠]. فأثنى اللَّه سبحانه عليهم باستغفارهم للمؤمنين قبلهم، فدلّ على انتفاعهم باستغفار الأحياء.

وقد يمكن أن يقال: إنما انتفعوا باستغفارهم لأنهم سنّوا لهم الإيمان بسبقهم إليه، فلما اتبعوهم فيه كانوا كالمستنين في حصوله لهم، لكن قد دلّ على انتفاع الميت بالدعاء إجماع الأمة على الدعاء له في صلاة الجنازة. وفي "السنن" من حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -، قال: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إذا صليتم على الميت، فأخلصوا له الدعاء".

وفي "صحيح مسلم" من حديث عوف بن مالك - رضي اللَّه عنه - قال: صلى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - على جنازة، فحفظت من دعائه، وهو يقول: "اللَّهم اغفر له، وارحمه، وعافه، واعف عنه، وأكرم نزله، وأوسع مدخله، واغسله بالماء، والثلج، والبرد، ونقّه من الخطايا كما نقّيت الثوب الأبيض من الدنس"، وأبدله دارًا خيرًا من داره، وأهلاً خيرًا من أهله، وزوجًا خيرًا من زوجه، وأدخله الجنّة، وأعذه من عذاب القبر، وعذاب النار".

وفي "السنن" عن واثلة بن الأسقع - رضي اللَّه عنه - قال: صلى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - على رجل من المسلمين، فسمعته، يقول: "اللَّهم إن فلان ابن فلان في ذمّتك، وحبل جوارك، فقه من فتنة القبر، وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء، والحقّ، فاغفر له، وارحمه، إنك أنت الغفور الرحيم" (١).

وهذا كثير في الأحاديث، بل هو المقصود بالصلاة على الميت، وكذلك الدعاء له بعد الدفن.

وفي "السنن" من حديث عثمان بن عفّان - رضي اللَّه عنه - قال: كان النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، فقال: "استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يُسأل".

وكذلك الدعاء لهم عند زيارة قبورهم، كما في "صحيح مسلم" من حديث بريدة بن الحصيب - رضي اللَّه عنه - قال: كان رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا: "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين، والمسلمين، وإنا إن شاء اللَّه بكم لاحقون، نسأل اللَّه لنا، ولكم العافية".

وفي "صحيح مسلم" أيضًا أن عائشة - رضي اللَّه عنها -، سألت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - كيف تقول، إذا


(١) - أخرجه أحمد، وابن ماجه بسند رجاله ثقات.