للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وذلك غاية النقص في حقّ الباري -عَزَّ وَجَلَّ- (وَلَمْ يَكُنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتِمَنِي، أَمَّا يكْذِيبُهُ إِيَّايَ، فَقَوْلُهُ: إِنِّي لَا أُعِيدُهُ، كَمَا بَدَأْتُهُ) وفي رواية أحمد: "فأما تكذيبه إياي أن يقول: فليُعِدْنَا كما بَدَأَنَا"، قال في "الفتح": وهي من شواهد ورود صيغة افعَلْ بمعنى التكذيب انتهى (١). وقال وليّ الدين: لفظه طلب، ومعناه التكذيب، كما قال أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفارسيّ، من قدماء الشافعيّة، فيما ذكره العبّادي في "طبقاته" في قوله: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: ٩٣] إن صيغة افعل للتكذيب. انتهى (٢).

(وَلَيْسَ آخِرُ الْخَلْقِ بِأَعَزَّ عَلَيَّ) أي بأثقل عليّ (مِنْ أَوَّلِهِ) يعني أن إعادة الخلق، وهو بعثه بعد موته يوم القيامة، ليس بأشقّ على اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- من بداية خلقه من العدم، بل الكل سواء، يوجد بكلمة "كن"، وهذا بالنظر إليه تعالى، وأما بالنظر إلى عقولهم، وعادتهم، فآخر الخلق أسهل من أوله، كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [الروم: ٢٧]، فلا وجه للتكذيب أصلًا (وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ) أي ذكرُهُ أسوأ كلام، وأشنعه في حقّي، وإن كانت الشناعة موجودة في الأول أيضًا بنسبة الكذب إلى إخباره، والعجز إليه، تعالى اللَّه عن ذلك علوّا كبيرًا، لكنها دون الشناعة في هذا، ويظهر ذلك إذا نظر الناظر إلى كيفية تحصيل الولد، والمباشرة بأسبابه، مع النظر إلى غاية نزاهته تعالى، ولذلك قال تعالى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} [مريم: ٩٠ - ٩١] واللَّه تعالى أعلم (٣).

(فَقَوْلُهُ: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا) القائلون بذلك هم من قال من اليهود: عزيرٌ ابن اللَّه، ومن قال من النصارى: المسيح ابن اللَّه، ومن قال من العرب: الملائكة بنات اللَّه، تعالى اللَّه عما يقول الظالمون علوّا كبيرًا. (وَأَنا اللَّهُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ) وفي "الكبرى": "وأنا اللَّه أحد، اللَّه الصمد".

قال البخاريّ في "صحيحه": العرب تسمي أشرافها الصمد. وقال أبو وائل: هو السيدّ الذي انتهى سؤدده انتهى.

وقال أبو عبيدة: الصمد السيد الذي يُصمد إليه ليس فوقه أحد، فعلى هذا هو فَعَلٌ- بفتحتين- بمعنى مفعول، ومن ذلك قول الشاعر: [من الطويل]:

أَلَا بَكَّرَ النَّاعِي بِخَيْرِ بَنِي أَسَدْ … بِعَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ وَبِالسَّيِّدِ الصَّمَدْ (٤)

وقال الحافظ ابن كثير في "تفسيره": قال عكرمة، عن ابن عباس - رضي اللَّه عنهما -: يعني الذي يصمد إليه الخلائق في حوائجهم، ومسائلهم. وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس:


(١) - "فتح" ج ٩ ص ٧٦٧. "كتاب التفسير" - تفسير سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}.
(٢) - "طرح التثريب" ج ٨ ص ١٦١ - ١٦٢.
(٣) - راجع "شرح السندي" ج ٣ ص ١١٢ - ١١٣.
(٤) - "فتح" ج ٩ ص ٧٦٧. في تفسير "سورة الإخلاص".