للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هو السيّد الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والعليم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو اللَّه سبحانه، هذه صفته، لا تنبغي إلا له، ليس له كفء، وليس كمثله شيء سبحان اللَّه الواحد القهار. وقال الأعمش، عن سفيان، عن أبى وائل: الصمد السيّد الذي انتهى سؤدده. رواه عاصم، عن أبي وائل، عن ابن مسعود. وقال مالك، عن زيد بن أسلم: الصمد السيد. وقال الحسن، وقتادة: هو الباقي بعد خلقه. وقال الربيع بن أنس: هو الذي لم يلد، ولم يولد، كأنه جعل ما بعده تفسيرًا له، وهو قوله: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص: ٣]، وهو تفسير جيّد. وقال ابن مسعود، وابن عباس، وسعيد بن المسيب، ومجاهد، وعبد اللَّه بن بريدة، وعكرمة أيضًا، وسعيد ابن جبير، وعطاء بن أبي رباح، وعطيّة العَوْفيّ، والضحّاك، والسدّيّ: الصمد الذي لا جوف له. وقال سفيان، عن منصور، عن مجاهد: الصمد المصمت الذي لا جوف له. وقال الشعبيّ: هو الذي لا يأكل العام، ولا يشرب الشراب. وقال عبد اللَّه بن بريدة أيضًا: الصمد نور يتلألأ. رَوَى ذلك كله، وحكاه ابن أبي حاتم، والبيهقيّ، والطبراني، وكذا أبو جعفر ابن جرير ساق أكثر ذلك بأسانيده. وقال الحافظ أبو القاسم الطبرانيّ في "كتاب السنة" له بعد إيراده كثيرًا، من هذه الأقوال في تفسير الصمد: وكل هذه صحيحة، وهي صفات ربنا -عَزَّ وَجَلَّ-، هو الذي يُصمَد إليه في الحوائج، وهو الذي قد انتهى سؤدده، وهو الصمد الذي لا جوف له، ولا يأكل، ولا يشرب، وهو الباقي بعد خلقه. وقال البيهقيّ نحو ذلك انتهى (١).

(لَمْ أَلِدْ) أي لأنه لا يجانس حتى يكون له من جنسه صاحبة، فيتوالدا، وقد دلّ على هذا المعنى قوله تعالى: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنعام: ١٠١] (وَلَمْ أُولَدْ) أي لأن كل مولود مُحدَث، وهو قديم، لا أوّل لوجوده ("وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُوًا أحَدٌ") يعني أنه لم يماثله أحد، ولم يشاكله، أو المراد نفي الكفاءة في النكاح، نفيًا للصاحبة، والأول أولى، لأن سياق الكلام لنفي المكافأة عن ذاته -عَزَّ وَجَلَّ-، وهذا المعنى مَصَبّه، ومركزه هذا الرف، فلذا قدم (٢).

وقرئ {كُفُؤا} بضم الكاف، والفاء، وهي قراءة الأكثرين، وقرأ حفص بضم الفاء، وفتح الواو، من غير همز، وقرأ حمزة بإسكان الفاء، مع الهمزة في الوصل، فإذا وقف أبدل الهمزة واوًا مفتوحة، اتباعًا للخطّ، والقياس أن تلقى حركتها على الفاء، وقرىء في غير المشهور بكسر الكاف، وإسكان الفاء (٣). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه


(١) - تفسير ابن كثير في تفسير {سورة الإخلاص}.
(٢) - طرح ج ٨ ص ١٦٢. و"فتح" ج ٩ ص ٧٦٨.
(٣) - طرح ج٨ ص ١٦٢.