للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ظهر دابّته: أي ألقاه انتهى. وذكر في "المحكم" نحوه، وهذا يقتضي الفرق بين الثلاثيّ، والرباعيّ، وأن ما يُلقَى في غير محلّ معيّن، يستعمل فيه الثلاثيّ، كما في هذا الحديث، وما يُلقَى في محلّ معيّن يُستعمل فيه الرباعيّ. قاله الحافظ وليّ الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- (١).

(فِي الرِّيحِ، فِي الْبَحْرِ) الجار الأول متعلّق بالفعل قبله، والثاني متعلق بحال مقدّر من "الريح"، أي حال كون ذلك الريح كائنا في البحر، وإنما لم يتعلّق بما تعلّق به ما قبله؛ لئلا يتعلق حرفا جرّ بلفظ ومعنى واحد بفعل واحد، وهو ممنوع، كما هو معروف في محله.

وفي حديث أبي سعيد: "في يوم عاصف"، أي عاصف ريحه. وفي رواية مسلم: "في ريح عاصف". وإنما أمرهم بهذا لتتفرّق أجزؤه، بحيث لا يكون هناك سبيل إلى جمعها في ظنّه، كما بَيَّنَ ذلك بقوله:

(فَوَاللَّهِ، لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ) من باب نصر، وضرب، وفرِحَ، يقال: قدرتُ على الشيء: إذا قَوِيتَ عليه، وتمكنتَ منه، والاسم القدرة.

قال السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: ما معناه: يحتمل أنه رأى أن جمعه يكون مستحيلًا، والقدرة لا تتعلّق بالمستحيل، فلذلك قال: "فوالله لئن قَدَر اللَّه"، فلا يلزم أنه نَفَى القدرة، فصار بذلك كافرًا، فكيف يُغفر له؟، وذلك أنه ما نفى القدرة على ممكن، وإنما فرض غيرَ المستحيل مستحيلاً فيما لم يثبت عنده أنه ممكن من الدين بالضرورة، والكفر هو الأول، لا الثاني. ويحتمل أن شدّة الخوف طيّرت عقله، فما التفت إلى ما يقول، وما يفعل، وأنه هل ينفعه، أم لا؟، كما هو المشاهد في الواقع في مهلكة، فإنه قد يتمسّك بأدنى شيء؛ لاحتمال أنه لعله ينفعه، فهو فيما قال، وفعل في حكم المجنون. وأجاب بعضهم بأن هذا رجل لم تبلغه الدعوة، وهذا بعيد. واللَّه تعالى أعلم انتهى (٢). وسيأتي هذا البحث مستوفًى في المسألة الرابعة، إن شاء اللَّه تعالى.

(لَيُعَذِّبَنِّي) جواب القسم، والفعل مبنيّ على الفتح لاتصال نون التوكيد به (عذابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا، مِنْ خَلْقِهِ، قَالَ: فَفَعَلَ أَهْلُهُ ذَلِكَ) أي جميع ما أوصاهم به (قَالَ: اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لِكُلِّ شَيْءِ أَخَذَ مِنْهُ شيْئًا) أي من أجزاء هذا الميت (أَدِّ) فعل أمر من التأدية (مَا أَخَذْتَ) وفي رواية البخاريّ: "فأمر اللَّه الأرض، فقال: اجمعي ما فيك منه، ففعلت … ". (فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ) "إذا فُجائيّة، أي ففاجأ قيامه، وفيه سرعة اجتماع أجزائه، وفي حديث سلمان - رضي اللَّه عنه - عند أبي عوانة في "صحيحه": "فقال اللَّه له: كن، فكان كأسرع من طرفة العين".

قال في "الفتح": وهذا جميعه -كما قال ابن عقيل-: إخبار عما سيقع له يوم القيامة،


(١) - "طرح" ج ٣ ص ٢٦٦ - ٢٦٧.
(٢) - "شرح السندي" ج ٣ ص ١١٣.