للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وليس كما قال بعضهم: إنه خاطب روحه، فإن ذلك لا يناسب قوله: "فجمعه اللَّه"؛ لأن التحريق، والتفريق، إنما وقع على الجسد، وهو الذي يُجمع، ويعاد عند البعث انتهى (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله في "الفتح" نقلاً عن ابن عقيل من أنه إخبار عما سيقع إلخ فيه نظر لا يخفى؛ إذ سياق الحديث يأباه، وهذا الذي نفاه من الوقوع قبل ذلك ليس ببعيد، {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ}. فتبصّر. واللَّه تعالى أعلم.

(قَالَ: اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟) أي أيُّ شيء حملك على هذه الوصيّة الجائرة؟ (قَالَ) ذلك الرجل (خَشْيَتُكَ) مرفوع على أنه فاعل لمقدّر، يدلّ عليه السؤال، كما أشار إلى ذلك ابن مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- في "خلاصته"، حيث قال:

وَيَرْفَعُ الْفَاعِلَ فِعْلٌ أُضْمِرَا … كَمِثْلِ "زَيْدٌ" فِي جَوَابِ "مَنْ قَرَا"

أي حملني على ذلك خشيتك. وفي رواية "مخافتك" (فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ") وفي حديث أبي سعيد - رضي اللَّه عنه -: "فتلقّاه برحمته".

قال الحافظ وليّ الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: إن قلت: في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -، عن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، عن اللَّه تعالى: "أنا عند ظنّ عبدي بي"، وهذا قد ظنّ بربه تعذيبه، وعدم المغفرة له، فكيف غفر له؟.

قلت: قد اختلفوا في معنى هذا الحديث، فقيل: المراد به الرجاء، وتأميل العفو.

وقيل: معناه بالغفران له إذا استغفر، والقبول له إذا تاب، والإجابة إذا دعا، والكفاية إذا طلب الكفاية. فإن قلنا بالثاني، فالجمع واضح؛ لأن هذا قد ندم على ما فَرَطَ منه، ولولا ندمه لما أمر أن يُفعل به ذلك، فكان تائبًا، فقبلت توبته، وغُفر له. وإن قلنا بالأوّل، فقد حكى القاضي عياض، والنوويّ في "شرح مسلم" أنه قيل: إنما أوصى بذلك تحقيرًا لنفسه، وعقوبة لها؛ لعصيانها، وإسرافها، رجاء أن -يرحمه اللَّه تعالى-، فهو حينئذ قد رجا العفو، وأمّله، فكان اللَّه عند ظنّه به، فعفا عنه، وهذا بعيد من قوله: "إن قدر اللَّه عليّ"، إن لم يؤوّله بما تقدّم، واللَّه تعالى أعلم. انتهى (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما قاله القاضي عياض، والنووي -رحمهما اللَّه تعالى- جواب سليم، وتوجيه مستقيم، وبه يزول الإشكال. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلق بهذا الحديث:

المسألة الأولى: في درجته: حديث أبي هريرة - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا متفق عليه.


(١) - "فتح" ج ٧ ص ٢٠٦ - ٢٠٧. "كتاب أحاديث الأنبياء" رقم ٣٤٧٨.
(٢) - المصدر السابق ج ٣ ص ٢٦٩.