للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يتحلّل، ليس فيه شيء باق، فصار ما ذكروه في المعاد مما قوّى شبهة المتفلسفة في إنكار معاد الأبدان.

والقول الذي عليه السلف، وجمهور العقلاء: أن الأجسام تنقلب من حال إلى حال، فتستحيل ترابًا، ثم ينشئها اللَّه نشأة أخرى، كما استحال في النشأة الأولى، فإنه كان نطفة، ثم صار عَلَقَة، ثم صار مضغة، ثم صار عظاما ولحما، ثم أنشاه خلقا سَويّا، كذلك الإعادة، يعيده اللَّه تعالى بعد أن يبلى كله إلا عجب الذنب، كما ثبت في "الصحيح " عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، أنه قال: "كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب، منه خلق، ومنه يركب". وفي حديث آخر: "إن السماء تُمطر مطرًا كمنيّ الرجال، ينبتون في القبور، كما ينبت النبات" (١).

فالنشأتان نوعان تحت جنس، يتفقان، ويتماثلان من وجه، ويفترقان، ويتنوعان من وجه، والمعاد هو الأول بعينه، وإن كان بين لوازم الإعادة، ولوازم البداءة فرقٌ، فعجب الذنب هو الذي يبقى، وأما سائره، فيستحيل، فيعاد من المادة التي استحال إليها، ومعلوم أن من رأى شخصًا، وهو صغير، ثم رآه، وقد صار شيخًا، علم أن هذا هو ذاك، مع أنه دائما في تحلل، واستحالة، وكذلك سائر الحيوان والنبات، فمن رأى شجرة، وهي صغيرة، ثم رآها كبيرة، قال: هذه تلك، وليست صفة تلك النشأة الثانية مماثلة لصفة هذه النشأة، حتى يقال: إن الصفات هي الْمُغَيَّرة، لا سيما أهل الجنة إذا دخلوها، فإنهم يدخلونها على صورة آدم، طوله ستون ذراعًا، كما ثبت في "الصحيحين" وغيرهما، وروي أن عرضه سبعة أذرع، وتلك نشأة باقية، غير معرّضة

للآفات، وهذه النشأة فانية، معرّضة للآفات انتهى ما كتبه شارح "الطحاوية" باختصار (٢)، وهو بحث نفيس جدًّا، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٢٠٨٤ - أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ, قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى, قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يُونُسَ الْقُشَيْرِيُّ, قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ, عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ, عَنْ عَائِشَةَ, عَنِ النَّبِيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم -, قَالَ: «إِنَّكُمْ تُحْشَرُونَ, حُفَاةً, عُرَاةً» , قُلْتُ: الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ, يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ؟ قَالَ: «إِنَّ الأَمْرَ أَشَدُّ, مِنْ أَنْ يُهِمَّهُمْ ذَلِكَ».

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا طريق آخر لحديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -، وهو متفق عليه، وقد سبق تمام البحث فيه في الحديث الماضي.


(١) - أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" ج ١ ص ١ - ٢. وهو ضعيف، لأن فيه انقطاعًا.
(٢) - "شرح العقيدة الطحاوية" ص ٤٠٤ - ٤١١.