ومنها: أن فيه أبا هريرة - رضي اللَّه عنه - أحفظ من روى الحديث في دهره، روى (٥٣٧٤) حديثًا. واللَّه تعالى أعلم.
شرح الحديث
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) - رضي اللَّه تعالى عنه -، أنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "يُحْشَرُ النَّاسُ) ببناء الفعل للمفعول (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ظاهره أنه حشر الآخرة، لكن أكثر أهل العلم على أنه حشر في الدنيا، وهو آخر أشراط الساعة، وهذا هو المناسب لما يأتي من قوله: "تقيل معهم إذا قالوا، وتبيت معهم إذا باتوا الخ"، فالأولى أن يحمل قوله: "يوم القيامة" على معنى قرب يوم القيامة، من إعطاء ما قرب إلى الشيء حكم ذلك الشيء، وسيأتي تمام البحث في ذلك في المسألة الثالثة، إن شاء اللَّه تعالى.
(عَلَى ثَلَاثِ طَرَائِقَ) وفي رواية لمسلم: "على ثلاثة طرائق"، و"الطرائق" جمع طريق، وهي تذكّر، وتؤنّث، فيجوز تذكير العدد معه، وتأنيثه بالاعتبارين (رَاغِبِينَ، رَاهِبِينَ) وللبخاريّ: "وراهبين" بواو العطف، وعلى الروايتين فهي الطريقة الأَولى (اثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ، وَثَلَاثَة عَلَى بَعِيرٍ، وَأَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَعَشْرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ) وفي رواية البخاريّ الأولى بالواو، والبواقي بلا عاطف، وفي رواية مسلم، والإسماعيليّ بالواو في الجميع، وعلى كلّ، فهذه هي الطريقة الثانية (وَتَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ) ببناء الفعل للفاعل، و"بقيتهم" بالنصب مفعول مقدّم، و"النار" فاعل مؤخّر.
قال في "الفتح": هذه هي النار المذكورة في حديث حُذيفة بن أَسِيد -بفتح الهمزة-. عند مسلم في حديث فيه ذكر الآيات الكائنة قبل قيام الساعة، كطلوع الشمس من مغربها، ففيه: "وآخر ذلك نار تخرج من قعر عدن، تُرَحِّل الناس لا، وفي رواية له:"تَطْرُدُ الناس إلى حشرهم".
(تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا) أي تستريح معهم إذا استراحوا، والقيلولة النوم نصف النهار، يقال: قال يَقيل قَيلاً، من باب باع، وقَيْلُولةً: إذا نام نصف النهار (وَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَتُصْبحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا، وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا") فيه إشارة إلى ملازمة النار لهم إلى أن يصلوا إلى مكان الحشر. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.