للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وجوههم، فقال قائل منهم: هذان قد عرفناهما، فما بال الذين يمشون ويسعون؟ قال: يلقي اللَّه الآفة على الظهر، حتى لا يبقى ظهر". فقوله هنا: "يلقي اللَّه الخ" جواب لسؤال مقدّر، كما بينته رواية أحمد المذكورة، فكأن سائلا سأل، فقال: ما بال هؤلا يمشون، ولا يركبون؟، فأجاب بقوله: "يلقي اللَّه الخ".

(فَلَا يَبْقَى) أي لا يوجد ظهر لاستئصال الآفة له (حَتَّى اِنَّ الرَّجُلَ لَتَكُونُ لَهُ الْحَدِيقَةُ) زاد في "الكبرى" "العظيمة"، وفي رواية أحمد "الحديقة المعجبة".

و"الحديقة" بفتح المهملة: البستان، يكون عليه حائط، فَعيلة، بمعنى مفعولة؛ لأن الحائط أحدق بها، أي أحاط، ثم توسّعوا حتى أطلقوا الحديقة على البستان، وإن كان بغير حائط، والجمع حدائق. قاله في "المصباح" (يُعْطِيهَا بِذَاتِ الْقَتَبِ) أي عوضًا، وبدلاً عن الناقة التي يركب عليها بالقَتَب، وهو بفتحتين، جمعه أقتاب، مثل سبب وأسباب، وهو للجمل كالإكاف لغيره. أفاده في "المصباح". وفي "اللسان": القِتْب - أي بالكسر- والقَتَبَ -أي بفتحتين-: إكاف البعير، وقد يؤنّث، والتذكير أعمّ، ولذلك أنثوا التصغير، فقالوا: قُتيبة انتهى.

(لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا) أي لا يستطيع، ولا يتمكّن من شراء ذات القتب. يعني أنه يريد أن يشتري بالحديقة العظيمة، أو الحسنة ناقةً يركبها، فلا يجد من يبيعها له، لعدمها بسبب الآفة التي استئألت الجمل. وهذا صريح في أن المراد بالحشر المذكور في هذا الحديث ليس حشر القيامة، وإنما في الدنيا، قبل الآخرة، كما تقدم تقريره.

لكن الذي يظهر من صنيع المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، أنه حمل هذا الحديث، وحديث أبي هريرة الذي قبله على حشر الآخرة، فلذا أورده تحت ترجمة باب "البعث"، اللَّهم إلا إذا أراد بالبعث مطلق الحشر الذي يشمل الآتي قبل القيامة، وبعدها، فيكون حديث ابن عباس، وعائشة - رضي اللَّه عنهم - لما بعد قيام الساعة، وحديث أبي هريرة، وأبي ذرّ - رضي اللَّه عنهما - لما قبله، فليُتَأمّل. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: حديث أبي ذرّ - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا صحيحٌ. فإن قلت: فيه الوليد بن عبد اللَّه بن جمُيع، وقد تكلم فيه ابن حبّان، والعقيليّ، والحاكم.

قلت: نعم تكلم فيه هؤلاء، لكن لا يلتفت إلى كلامهم، لأمور:

الأول: تناقض العجليّ، وابن حبّان، فإنهما وثقاه مرّة، وضعفاه مرّة.

الثاني: أنه قد قوّاه من هو أعلم منهم، وأرسخ في الجرح والتعديل، فقد قال أحمد،