للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

البخاريّ: "فيقول اللَّه (إِنَّكَ لَا تَدْرِي، مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ) وفي حديث أبي هريرة عند البخاريّ الذي تقدّم الإشارة إليه: "إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى"، وزاد في رواية سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة أيضًا: "فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، فيقال: إنهم قد بدّلوا بعدك، فاقول: سُحْقًا سحقًا". أي بُعْدًا بعدًا، والتأكيد للمبالغة.

وفي حديث أبي سعيد عند البخاريّ أيضًا: "فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقًا لمن غير بعدي". وزاد في رواية عطاء بن يسار: "فلا أراه يَخلُص منهم إلا مثل هَمَل النعَم (١). ولأحمد، والطبرانيّ، من حديث أبي بكر - رضي اللَّه عنه -، رفعه: "ليردنّ عليّ الحوض رجال ممن صحبني، ورآني". وسنده حسن. وللطبرانيّ من حديث أبي الدرداء - رضي اللَّه عنه - نحوه، وزاد: "فقلت: يا رسول اللَّه، ادع اللَّه أن لا يجعلني منهم، قال: لست منهم". وسنده حسن.

(فَأقُولُ، كَمَا قَالَ: الْعَبْدُ الصَّالِحُ) يعني عيسى ابن مريم - عليهما السلام - {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي} إِلَى قَوْلِهِ: {وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ} الْآيَةَ، فَيُقَالُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ، لَمْ يَزَالُوا مُدْبِرِينَ" قَالَ: أَبُو دَاوُد: "مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابهِمْ، مُنْذُ فَارَقْتَهُم") قال في "الفتح": قال الفربريّ: ذُكِر عن أبي عبد الله البخاريّ، عن قبيصة، قال: هم الذين ارتدوا على عهد أبي بكر، فقاتلهم أبو بكر. يعني حتى قُتلوا، وماتوا على الكفر. وقد وصله الإسماعيليّ من وجه آخر عن قبيصة.

وقال الخطابيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: لم يرتدّ من الصحابة أحد، وإنما ارتدّ قوم من جُفَاة الأعراب، ممن لا نُصْرة له في الدين، وذلك لا يوجب قدحا في الصحابة المشهورين، ويدلّ قوله: "أصيحابي" بالتصغير على قلة عددهم. وقال غيره: قيل: هو على ظاهره من الكفر، والمراد بأمتي أمة الدعوة، لا أمة الإجابة، ورُجّح بقوله في حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -: "فأقول: بُعدًا لهم، وسحقًا"، ويؤيده كونهم خفي عليه حالهم، ولو كانوا من أمة الإجابة لعرف حالهم بكون أعمالهم تُعرض عليه. قال الحافظ: وهذا يردّه قوله في حديث أنس - رضي اللَّه عنه -: "حتى إذا عرفتهم"، وكذا في حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -. وقال ابن التين: يحتمل أن يكونوا منافقين، أو مرتكبي الكبائر. وقيل: هم قوم من جفاة الأعراب، دخلوا في الإسلام، رغبة، ورهبة. وقال الداوديّ: لا يمتنع دخول أصحاب الكبائر، والبدع في ذلك. وقال النوويّ: قيل: هم المنافقون، والمرتدّون، فيجوز أن يحشروا بالغرّة والتحجيل؛ لكونهم من جملة الأمة، فيناديهم من أجل السيما التي عليهم،


(١) - الهمل بفتحتين جمع هاملة، هي الإبل التي ترعى بغير راع، ويجمع على هُمَّل، كراكع ورُكّع. أفاده في "المصباح".