للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قيل: الحكمة في كون إبراهيم أول من يكسى أنه جرّد حين ألقي في النار. وقيل: لأنه أول من سن التستر بالسراويل. وقيل: إنه لم يكن في الأرض أخوف للَّه منه، فعجلت له الكسوة أمانًا له؛ ليطمئنّ قلبه. وهذا اختيار الحليميّ، والأول اختيار القرطبيّ.

ولا يلزم من تخصيص إبراهيم - عليه السلام - بأنه أول من يكسى أن يكون أفضل من نبينا محمد - صلى اللَّه عليه وسلم - مطلقًا، لأن المفضول قد يمتاز بشيء، يُخصّ به، ولا يلزم منه الفضيلة المطلقة.

قال الحافظ: يحتمل أن يكون نبينا - صلى اللَّه عليه وسلم - خرج من قبره في ثيابه التي مات فيها، والحلّة التي يكساها حينئذ، من حلل الجنة خلعة الكرامة بقرينة إجلاسه على الكرسيّ عند ساق العرش، فتكون أولية إبراهيم في الكسوة بالنسبة لبقية الخلق. انتهى.

وأجاب الحليميّ بأنه يكسى أولا، ثم يكسى نبينا - صلى اللَّه عليه وسلم - على ظاهر الخبر، لكن حلة نبينا - صلى اللَّه عليه وسلم - أعلى، وأكمل، فتجبر نفاستها ما فات من الأولية، واللَّه أعلم انتهى (١).

[تنبيه]: قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: وقد ثبت لإبراهيم - عليه السلام - أوّليّات أخرى كثيرة: منها أنه أول من ضاف الضيف، وقصّ الشارب، واختتن، ورأى الشيب، وغير ذلك، وقد أتيت على ذلك بأدلته في كتابي "إقامة الدلائل على معرفة الأوائل" انتهى (٢).

(وَإِنَّهُ سَيُؤْتَى) بالبناء للمفعول (قَالَ أَبو دَاوُدَ: "يُجَاءُ" -وَقَالَ وَهْبٌ، وَوَكِيعٌ-: "سَيُؤْتَى بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي، فَيُؤْخَذُ بهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ) أي إلى جهة النار، ووقع ذلك في حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - عند البخاريّ من طريق عطاء بن يسار، عنه، ولفظه: "فإذا زمرة، حتى إذا عرفتهم، خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلمّ، فقلت: إلى أين؟ قال: إلى النار … " الحديث. وبين في حديث أنس - رضي اللَّه عنه - الموضع، ولفظه: ليردنّ عليّ ناس، من أصحابي الحوض، حتى إذا عرفتهم اختُلِجوا دوني … " الحديث. وفي حديث سهل: "ليردَنّ عليّ أقوام أعرفهم، ويعرفونني، ثم يحال بيني وبينهم". وفي حديث أبي هريرة عند مسلم: "ليُذادَنّ رجال عن حوضي، كما يُذاد البعير الضّالّ، أناديهمِ: ألا هلمّ".

(فَأقُولُ: رَبِّ أَصْحَابِي) وفي رواية أحمد: "فلأقولنّ" وفي رواية للبخاريّ: "أصيحابي" بالتصغير، وهو خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هؤلاء (فَيُقَالُ) وفي رواية


(١) - "فتح" ج ١٣ ص ١٩٦ - ١٩٧. "كتاب الرقائق".
(٢) - "فتح" ج ٧ ص ٣٨ "كتاب الأنبياء" - "باب قول اللَّه تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} " رقم الحديث ٣٣٤٩.