عليك، لشققت عليه"، وسيأتي الجواب عن استشكال من استشكل بأنه كيف جاز لموسى أن يفقأ عين ملك الموت في المسألة الرابعة، إن شاء اللَّه تعالى.
(فَرَدَّ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلَيْهِ عَيْنَهُ، وَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهِ، فَقُلْ لَهُ: يَضَعُ يَدَهُ) وفي رواية: "فقل له: الحياةَ تريد؟ فإن كنت تريد الحياة، فضع يدك" (عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ) "المتن": بفتح الميم، وسكون المثناة: هو الظهر. وقيل: مكتنف الصّلْب بين العَصَب واللحم، وفي رواية: "على جلد ثور". و"الثور": بفتح المثلثة، وسكون الواو: الذكر من البقر، والأنثى ثورة، والجمع ثِيرَان، وأثوارٌ، وثِيَرَةٌ، مثالُ عِنَبَة. قاله في "المصباح" (فَلَهُ بِكُلِّ مَا غَطَّتْ يَدُهُ، بِكُلِّ شَعْرَة سَنَةٌ) الجارّ والمجرور بدل من الجار والمجرور الأول (قَالَ: أَيّ رَبِّ) "أَي" بفتح الهمزة، وسكون الياء: حرف نداء (ثُمَّ مَهْ) "ثمّ" بضم المثلثة، وتشديد الميم: حرف عطف، و"مه": هي "ما" الاستفهامية، لَمّا وُقف عليها زادوا عليها هاء السكت، أي ثُمّ ماذا يكون، أحياة، أم موت؟ (قَالَ) اللَّه تعالى (الْمَوْتُ) وفي رواية البخاريّ: "ثم الموت" (قَالَ) موسى - عليه السلام - (فَالْآنَ) أي أريده الآن، و"الآن " ظرف زمان، للوقت الحاضر الذي أنت فيه، ولزم دخول الألف واللام، وليس ذلك للتعريف؛ لأن التعريف تمييز للمشتركات، وليس لهذا ما يَشرَكه في معناه. قال ابن السرّاج: ليس هو آنَ وآنَ حتى يدخل عليه الألف واللام للتعريف، بل وُضع مع الألف واللام للوقت الحاضر، مثلُ "الثُّرَيّا"، و"الذي"، ونحو ذلك.
قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: وهذا يدلّ على أن موسى - عليه السلام - لما خيّره اللَّه بين الحياة والموت، اختار الموت شوقًا للقاء اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، واستعجالاً لما له عند اللَّه، من الثواب والخير، واستراحة من الدنيا المكدرة، وهذا كما خُيّر نبيّنا - صلى اللَّه عليه وسلم - عند موته، فقال: "اللَّهم الرفيقَ الأعلى". انتهى (١).
(فَسَأَلَ اللَهَ -عَزَّ وَجَلَّ-، أَنْ يُدْنِيَهُ) أي يقرّبه (مِنَ الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ) هي بيت المقدس (رَمْيَة بِحَجَرٍ) وفي نسخة: "رمية الحجر"، وهو منصوب أنه ظرف مكان: أي مقدار رَمْية بحجر.
قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: وإنما سأل موسى - عليه السلام - ذلك تبرّكا بالكون في تلك البقعة، وليدفن مع من فيها من الأنبياء، والأولياء؛ ولأنها أرض المحشر، على ما قيل انتهى.
وقال بعض العلماء: وإنما سأل الإدناء، ولم يسأل نفس بيت المقدس؛ لأنه خاف
(١) - "المفهم" ج ٦ ص ٢٢٢. "كتاب النبوّات" - "باب في وفاة موسى - عليه السلام -".