للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أن يكون قبره مشهورًا عندهم، فيفتتن به الناس انتهى (١).

وقال في "الفتح": قوله: "رمية بحجر": أي قدر رمية حجر، أي أدنني من مكان إلى الأرض المقدّسة هذا القَدْرَ، أو أدنني إليها حتى يكون بيني وبينها هذا القدر. قال في "الفتح": وهذا الثاني أظهر، وعليه شرح ابن بطّال وغيره، وأما الأول، وإن رجحه بعضهم، فليس بجيّد، إذ لو كان كذلك لطلب الدنوّ أكثر من ذلك.

ويحتمل أن يكون سرّ ذلك أن اللَّه لما منع بني إسرائيل من دخول بيت المقدس، وتركهم في التيه أربعين سنة، إلى أن أفناهم الموت، فلم يدخل الأرض المقدّسة مع يوشع إلا أولادهم، ولم يدخلها معه أحد، ممن امتنع أوّلا أن يدخلها، ومات هارون، ثم موسى - عليهما السلام - قبل فتح الأرض المقدّسة على الصحيح، فكان موسى لما لم يتهيّأ له دخولها لغلبة الجبارين عليها، ولا يمكن نبشه بعد ذلك ليُنقَل إليها، طلب القرب منها؛ لأن ما قارب الشيء يعطى حكمه.

وقيل: إنما طلب موسى الدنوّ؛ لأن النبيّ يُدفن حيث يموت، ولا يُنقل. وفيه نظر؛ لأن موسى قد نَقَلَ يوسف - عليهما السلام - معه، لما خرج من مصر. وهذا كله على الاحتمال الثاني. واللَّه أعلم انتهى (٢).

(قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ") بفتح المثلثة: اسم إشارة يُشار به إلى المكان البعيد: أي هنالك (لأَرَيْتُكُم قَبرَهُ، إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ) وفي رواية للبخاريّ: "من جانب الطريق" (تَحْتَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ") وفي رواية للبخاريّ: "عند الكثيب الأحمر". و"الكّثِيب" بفتح الكاف، وبالمثلّثة، آخره موحّدة، بوزن عَظيم: الرمل المجتمع. وقيل: الكثيب" قطعة من الرمل مستطيلة، محدودبة، سمي بذلك؛ لأنه انصبّ في مكان، فاجتمع فيه.

وزعم ابن حبّان أن قبر موسى - عليه السلام - بمدين، بين المدينة وبيت المقدس. وتعقّبه الضياء بأن أرض مدين ليست قريبة من المدينة، ولا من بيت المقدس.

وزاد في رواية عمار بن أبي عمار، عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - عند أحمد (٣): "فشمه شمة، فقبض روحه، وكان يأتي الناس خُفْيَة". يعني بعد ذلك. ويقال: إنه أتاه بتُفّاحة من الجنّة، فشمها، فمات. وذكر السُّدّيّ في "تفسيره" أن موسى لما دنت وفاته مشى هو ويوشع بن نون، فجاءت ريح سوداء، فظنّ يوشع أنها الساعة، فالتزم موسى، فانسلّ


(١) - "شرح مسلم" للنووي -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- ج ١٥ ص ١٢٧. "كتاب الفضائل".
(٢) - "فتح" ج ٧ ص ٥٦٨. "كتاب أحاديث الأنبياء".
(٣) - انظر "المسند" رقم ١٠٥٢١.